للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على حمايتها جيش خاص دعوه "الأحابيش"١ لعلهم من العرب أو السودان، فكانت مكة أشبه ببنك كبير، فلم تكن القوافل ملكًا لشخص واحد، وإنما كانت هناك طريقة لجمع المال من عدة أسر معروفة، كهاشم وأمية ومخزوم ونوفل٢، وقد أدى ذلك إلى تضخم أموال قريش، حتى بلغت قوافلهم التجارية في عهد غزوة بدر٣ ألف بعير، مضافا إليها خمسون ألف دينار منقولة بين أثقالهم، بل إن رجلا واحدًا -هو سعيد بن العاص "أبو أحيحة"- استطاع أن يسهم في رأس مالها بثلاثين ألف دينار، كما بلغت قوافلهم في بعض المرات ألفين وخمسمائة بعير، وهي نسبة ما قيمتها المادية، إذا قيست بالثروات في عهدها، هذا وقد بلغ ثراء قريش إلى أنها قد استطاعت في غزوة بدر أن تفتدي أسراها من المكيين بأربعة آلاف درهم للرجل، إلى ألف درهم، إلا من عفا عنهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المعدمين٤.

وعلى أي حال، فإن ظروف مكة السياسية والاقتصادية والجغرافية قد جعلت منها مدينة عربية لجميع العرب، فلم تكن كسروية أو قيصرية، ولا تبعية أو نجاشية، كما عساها أن تكون لو استقرت على مشارف الشام، أو عند تخوم الجنوب، ولهذا تمت لها الخصائص التي كانت لازمة لمن يقصدونها، ويجدون فيها من يبادلهم ويبادلونه على حكم المنفعة المشتركة، لا على حكم القهر والإكراه٥.


١ انظر عن الأحابيش: تاج العروس ٤/ ١٣٠، ٩/ ٣٠٠، تاريخ الطبري ٢/ ٥٠١، تاريخ اليعقوبي ١/ ٢٤١، تاريخ مكة ص٥٢، نسب قريش ص٣٨٩، ابن الأثير ٢/ ١٤٩، المعارف ص٣٠٢-٣٠٣، العمدة ٢/ ١٩٤، اللسان ٦/ ٢٧٨، البلاذري ١/ ٥٢، ٧٦، المحبر ص٢٤٦، ٢٦٧، العبادي: المرجع السابق ٢/ ١٣، جواد علي ٣/ ٣٠-٣٦.
٢ تاريخ الطبري ٢/ ٤٢١-٤٢٢، تاريخ ابن خلدون ٢/ ١٧، الطبقات الكبرى ١/ ٤٠، عبد المنعم ماجد ١/ ٧٩، وكذا Essad Bey, La Vie De Mahomet, P.٤٢
٣ انظر عن "غزوة بدر" "يوم الجمعة ١٧ رمضان ٢هـ = ١٤ مارس ٦٢٤م": تاريخ الطبري ٢/ ٤٢١-٤٧٩، تاريخ ابن خلدون ٢/ ١٧-٢١، ابن الأثير ٢/ ١١٦-١٣٧، ابن كثير ٣/ ٢٥٦-٣٤٤، وفاء الوفا ١/ ١٩٦-١٩٧، ابن هشام ٢/ ٦٣-٨٤، المعارف ص٧٥-٧٨، الأغاني ٤/ ١٧٦-٢٠٩، ياقوت ١/ ٣٥٧-٣٥٨، الكبري ١/ ٢٤١-٢٣٢، تفسير الطبري ١٣/ ٤٠٩، ٤٤٣، ٥٧٨.
٤ أحمد السباعي: تاريخ مكة ص٣٦-٣٧، المغازي ص١٣٦، وكذا
P.K. Hitti, Op. Cit., P.١٠٤,
٥ العقاد: مطلع النور ص١١٣.

<<  <   >  >>