للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولينصرن الله من ينصره، أما أن يرسل النبي الكريم -فيما يزعم الرواة- جيشا إلى المدينة ليقوم فيها بمجزرة بشرية مروعة، تنتهي بإفناء القوم جميعًا، إلا طفل ضنوا عليه من الموت لوضاءته، فأمر لا يمكن أن يقبل على علاته من عامة الناس، فضلا عن أن يكون ذلك من كليم الله عليه السلام، وحتى هذه، فما شأن موسى بالعماليق في وسط بلاد العرب، أنسي أصحاب هذه الرواية أن موسى قد أرسل إلى بني إسرائيل خاصة١، وليس العماليق بالتأكيد من بني إسرائيل، كما أنهم هنا في المدينة المنورة -بعيدًا عن مصر وعن فلسطين، فضلا عن صحراء التيه- لم يعترضوا دعوته، وربما لم يسمعوا بها أبدًا، وحتى لو كانوا قوما جبارين-كما تذهب الرواية- أفكان موسى مكلفا بالقضاء على الجبارين في الأرض، وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا القضاء على العماليق بالذات، وليسوا هم وحدهم الجبارين في الأرض، ثم ما هو الموقف بالنسبة إلى العماليق في غير يثرب؟

ومنها "خامسًا" أن بعض المؤرخين المسلمين أنفسهم إنما يشكون في صحة الرواية٢، ومنها "سادسًا" أن هناك رواية أخرى -إخبارية كذلك- تقدم سببًا مختلفا لإقامة اليهود في المدينة، ذلك أن موسى -طبقًا لهذه الرواية- قد حج إلى بيت الله الحرام ومعه أناس من بني إسرائيل، وعند العودة رأوا في موضع المدينة صفة بلد نبي يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النبيين، ومن ثم فقد أقاموا في موضع سوق بني قينقاع، ثم تآلفت إليهم أناس من العرب، فرجعوا على دينهم، فكانوا أول من سكن موضع المدينة٣، وهكذا يبدو التضارب واضحًا في روايات


١ من المعروف أنه ليس هناك نبي على الإطلاق قد أرسل إلى الناس كافة، غير سيدنا محمد رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" انظر: مقالنا: "قصة الطوفان بين الآثار والكتب المقدسة" مجلة كلية اللغة العربية بالرياض، العدد الخامس ص٣٨٣-٤٥٧، وانظر، على سبيل المثال الآيات الكريمة من سورة النساء "٧٩" والأعراف "١٥٨" وإبراهيم "٣١-٣٣، ٥٢" والأنبياء "١٠٧" والحج" ٤٩" والفرقان"١" وسبأ "٨٢" وص"٨٧" وانظر تفسير الطبري"٨/ ٥٦١، ١٣/ ١٧٠ "دار المعارف"، ١٨/ ١٧٩-١٨٠، ٢٢/ ٩٦، ٢٣/ ١٨٨-١٨٩ "لحلبي"، تفسير القرطبي ١٤/ ٣٠٠-٣٠١ "دار الكتب" ١٥/ ٢٢٩-٢٣١ "الكاتب العربي"، تفسير البييضاوي ٢/ ٨٣، ٩٥، ١٣٧، ٢٦١-٣١٦، تفسير روح المعاني ١١/ ١٦٠-١٦١، ١٣/ ٢٥٨-٢٦٠.
٢ السهيلي: الروض الأنف ٢/ ١٦، قارن ابن خلدون ٢/ ٨٨.
٣ وفاء الوفا ١/ ١١٠، خلاصة الوفا ص١٥٥-١٥٦، الدرر الثمينة ص٣٢٤-٣٢٥، علي حافظ: فصول من تاريخ المدينة ص١٣-١٤، قارن ابن كثير ١/ ٣١٦.

<<  <   >  >>