للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأخباريين، بل إن البعض منهم قد ذهب إلى أن هارون عليه السلام قد دفن بالمدينة كذلك، وهنا تتجه الروايات اتجاها غريبا، حيث تذهب إلى أن موسى وهارون قد خرجا حاجين أو معتمرين، حتى إذا ما قدما المدينة خافا من يهود، فنزلا أحد، وهارون مريض، فحفر له موسى قبرا بأحد، وقال: ادخل فيه فإنك تموت، فقام هارون فدخل في لحده فقبض فحثى عليه موسى التراب١.

ولست أدري كيف يخاف موسى وهارون من اليهود، أما كان الأولى أن يقول أصحاب هذه الرواية أن النبيين الكريمين قد خافا من العماليق، بخاصة وأن أصحاب الرواية نفسها، إنما يرون أن الذين كانوا بالمدينة من يهود من بني قينيقاع، وهم من أوفى شيعة موسى وهارون، وفي نفس الوقت كان العماليق -طبقًا للرواية نفسها- يملأون السهل والجبل، وفيهم بنو هف وبنو مطر وبنو الأزرق، ثم كيف علم موسى أن هارون سوف يموت، وعلم ذلك عند ربي وحده، ثم كيف يأمر موسى هارون بدخول القبر قبل أن يموت، ثم أليست هذه الرواية هي رواية التوراة -كما جاءت في سفر العدد "٢٠: ٢٢-٢٩"- وإن غير أصحابنا الأخباريون فيها، بأن جعلوا في موت هارون على جبل أحد في المدينة المنورة، بدلا من موته على جبل هور في أرض التيه، وإن كانت رواية التوراة جعلت ذلك بوحي من الله لموسى، وإن انحرفت عن الجادة من الصواب بعد ذلك، فجعلت الموت إنما كان سببه العصيان٢.

ومنها "سابعًا" أن سكنى اليهود في يثرب -طبقًا لهذه الرواية- بعيد جدًّا، بخاصة إذا ما تذكرنا أن موسى عليه السلام قد خرج ببني إسرائيل من مصر حوالي عام ١٢١٤ق. م٣ -ولا أقول في عام ١٤٤٧ق. م، كما ترجح بعض الآراء٤.


١ وفاء الوفا ١/ ١١٣-١١٤، خلاصة الوفا ص١٥٦، الدرر الثمنية ص١٥٦، إبراهيم العياشي: المرجع السابق ص١٥-١٦.
٢ عدد ٢٠: ٢٤، تثنية ٣٢: ٤٨-٥٠، كتابنا إسرائيل ص٣٢٥-٣٢٦.
٣ انظر كتابنا "إسرائيل" ص٢٩٢-٣٠٣.
٤ ول ديورانت: المرجع السابق ص٣٢٦، وكذا J. Finegan, Op. Cit., P.١١٧-١١٨
وكذا J.A. Jack, The Date Of The Exodus, ١٩٢٥
وكذا A. Lods, Op. Cit., P.١٢٨
وكذا Orr, The Problem Of The Old Testament, P.٤٢٢-٤

<<  <   >  >>