للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن للأدب -كمصدر تاريخي- عيوبًا، منها "أولًا" أنه لا يرجع إلى أكثر من عصر الجاهلية، وهو جزء من عصر ما قبل الإسلام، يقدر له زمنًا يتراوح بين قرن ونصف، وقرنين ونصف قبل ظهور الإسلام مباشرة، بينما يقدر العلماء لعصور ما قبل الإسلام مدة ربما تتجاوز العشرين قرنًا، تمتد من حوالي ١٥٠٠ق. م، إلى عام ٦١٠م١.

ومنها "ثانيًا" أن أكثر ما روي لنا منه إنما قد عني فيه بالمختارات أكبر عناية، وهم في هذا ينظرون إليها نظرة الأديب، لا نظرة المؤرخ، فالقصيد التي لم يحكم نسجها، ولم تهذب ألفاظها، ولم يصح وزنها، قد يعجب بها المؤرخ، أكثر من إعجابه بالقصة الكاملة من جميع نواحيها، ويرى فيها دلالة على الحياة العقلية، أكثر من قصيدة راقية٢، ومنها "ثالثًا" أن الشعر الجاهلي لا يتحدث عن التاريخ السياسي، بقدر ما يتحدث عن التاريخ الديني والاجتماعي.

ومنها "رابعًا" أن الشعر الجاهلي قد تعرض للضياع بتركه يتناقل على ألسنة الرواة شفاها نحو قرنين من الزمان، إلى أن دون في تاريخ متأخر٣، حتى أن "أبا عمرو بن العلاء" يقول: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير٤.

ومنها "خامسًا" أن معظم ما وصلنا من الشعر الجاهلي، إنما كان من عمل البدو، وليس من عمل الحضر، ومن ثم فهو يمثل البادية أكثر ما يمثل الحاضرة٥، ومنها "سادسًا" أن هناك مجالا للظن -على خلاف الشائع- أن العلماء قد خففوا -مدفوعين بالعامل الديني- من الطابع الوثني في بعض القصائد، كما أن الإفراط في الحرص على صحة اللغة وصفائها في أوساط البصرة قد أدى إلى إجراء بعض التصحيحات في الآثار المروية٦.

ومنها "سابعًا" أنه حتى هذا الشعر القليل الذي وصل إلينا توجه إليه سهام الريب من كل جانب، وليس بالوسع القول بأنه يرقى إلى ما فوق مظان الشبهات، ذلك


١ محمد مبروك نافع: تاريخ العرب، عصر ما قبل الإسلام، القاهرة ١٩٥٢ ص٩.
٢ أحمد أمين: فجر الإسلام ص٥٧.
٣ طه حسين: المرجع السابق ص٦٤.
٤ محمد بن سلام الجمحي: المرجع السابق ص١٠.
٥ عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص٣٥، القرشي: جمهرة أشعار العرب ص٣٤.
٦ ريجيس بلاشير: تاريخ الأدب العربي- العصر الجاهلي، بيروت ١٩٥٦ ص١٣٥.

<<  <   >  >>