للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير أن الهجرة الحقيقية إنما كانت بعد الثورة اليهودية ضد الرومان، ثم إخماد هذه الثورة بأشد العنف وأقسى أنواع التدمير على يد "تيتوس" في عام ٧٠م، حيث دمرت المدينة المقدسة، وأحرق المعبد اليهودي الذي بناه "هيرودوس" إحراقًا تامًّا، حتى أن القوم نسوا بعد حين من الدهر، إن كان المعبد قد بنى على التل الشرقي أو الغربي من أورشليم، وحتى أن محاولة بنائه -اعتمادًا على وصف التوراة له- قد فشلت نهائيًّا، كما منع بقية السكان من مجرد الاقتراب من أورشليم، ومن ثم فقد هاجرت مجموعات من السكان إلى بلاد العرب، ووصلت إلى يثرب.

غير أن الثورة سرعان ما تجددت مرة أخرى على أيام هدريان، فيما بين عامي ١٣٢، ١٣٥م، وانتهت الثورة إلى القضاء تمامًا على اليهود، ككيان سياسي في فلسطين، وتغير اسم المدينة المقدسة "القدس" إلى "إيليا كابتيولينا" وتحول المعبد اليهودي إلى معبد لإله الرومان "جوبيتر"، ثم بيعت النساء اليهوديات كإماء، وضاع اليهود في غياهب التاريخ، وسرعان ما فر -من أسعده الخظ فنجا- إلى مكان يحتمي به من غضبة الرومان القاسية، وكان من هؤلاء المحظوظين فريق من يهود وصلوا إلى يثرب، وكان هؤلاء -إلى جانب من وصلوا بعد تدمير القدس على يد تيتوس- هم الذين كونوا الجالية اليهودية في شمال الحجاز، وفي يثرب بصة خاصة١، وزاد عددهم بمرور الزمن، حتى إذا ما ظهر الإسلام كان معظم سكان وادي القرى إلى يثرب من اليهود، هذا وهناك في الحجر، وفي مواضع أخرى من أرض الأنباط، كتابات نبطية، يرجع بعضها إلى القرن الأول الميلادي، وبعضها الآخر إلى القرن الرابع الميلادي، وردت بها أسماء عبرية تشير إلى أن أصحابها من يهود٢.

وتؤيد المصادر العربية هذا الاتجاه، فتذكر أنه لما ظهرت الروم على بني إسرائيل جميعًا بالشام فوطئوهم ونكحوا نساءهم، خرج بنو النضير وبني قريظة وبنو هدل "بهدل" هاربين إلى من بالحجاز من يهود، فلما فصلوا عنهم بأهليهم اتبعهم الروم فأعجزوهم، وهلك جند الروم في المفاوز والصحاري الخالية من الماء، وهذه الروايات


١ فيليب حتى: المرجع السابق ص٣٧٥-٣٧٧، وكذا
Josephus, The Jewish War, Ii, ١٨, ١, ٣-٤
٢ J. Horovity, Judaeo-Arabic Relations In Pre-Islamic Times, Ic, Iii, ١٩٢٩, P.١٧٠
وكذا جواد علي ٦/ ٥١٣.

<<  <   >  >>