للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا١.

على أن المؤرخين إنما يشككون كثيرًا في أن يكون السيل وحده هو سبب هجرة الأوس والخزرج؛ ذلك لأن السد إنما كان يسقي ربوة من الأرض لم تكن مسكنا لكل بطون الأزد، ومن ثم فإنه يصبح من الصعب أن نتقبل القول، بأن جميع البطون الأزدية قد هاجرت إلى شمال شبه الجزيرة العربية بسبب انهيار السد وحده، وإنه لمن المحتمل أن تكون هناك أسباب أخرى تعاونت مع سيل العرم، واضطرت بعض هذه البطون إلى ترك وطنها مهاجرة إلى الأرجاء النائية٢.

ولعل أهم هذه الأسباب إنما هو ضعف الحكومة، ثم تحول الطرق التجارية، فضعف الحكومة في اليمن أدى إلى تزعم سادة القبائل والرؤساء، وانشقاق الزعامة في البلاد، فضلا عن المشاحنات الدينية بين أتباع النصرانية وأتباع الموسوية في اليمن، وزاد الطين بلة أن صاحب تلك القلاقل الداخلية تدخل الحبشة ثم الفرس في شئون اليمن الداخلية، وكان نتيجة ذلك كله اضطراب الأمن في البلاد، وظهور ثورات داخلية وحروب، كما تدلنا على ذلك نقوش النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، فألهى ذلك الحكومة عن القيام بواجباتها، مما أدى إلى إهمال السد، ومن ثم فقد تصدعت جوانبه، وكان السيل الذي أغرق مناطق واسعة من الأرض الخصبة، التي كان القوم يعتمدون عليها في حياتهم الاقتصادية٣، فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن اليمن لم تصبح في تلك الفترة صاحبة السيادة على الطرق التجارية، كما أنها لم تعد الوسيط الوحيد في نقل التجارة إلى المناطق الشمالية، بل ربما لم يعد دور اليمن -بعد سيطرة الرومان على البحر المتوسط ونقل تجارة الهند عن طريق هذا البحر،


١ سورة سبأ: آية ١٥٠١٩، وانظر: تفسير البيضاوي ٢/ ٢٥٨-٢٥٩، التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥/ ٢٥٠-٢٥٢، تفسير القرطبي ١٤/ ٢٨٢-٢٩١ "جار الكتب المصرية ١٩٤٥"، تفسير الطبري ٢٢/ ١٢٤-١٣٤، ابن هشام ١/ ١٧٠١٩ "مكتبة الجمهورية بمصر"، تفسير الجلالين "نسخة على هامش تفسير البيضاوي" ٢/ ٢٥٨-٢٥٩، مروج الذهب ٢/ ١٦٣-١٦٤، الدميري ١/ ٤٤٥، البداية والنهاية لابن كثير ٢/ ١٥٨-١٦١، الميداني ١/ ١٨٥، وفاء الوفا ١/ ١١٦-١٢٢.
٢ إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص٥٤.
٣ جواد علي ١/ ٢٤٦، وكذا
Corpus Inscriptionum Semiticarum, Part, ٤, Vol. ٢, ٣٨٤, ٥٤٠-٤١, ٥٥٤-٦٤

<<  <   >  >>