للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مجاوراتهم، إلا أن وجود الثروة والسلطان في أيدي اليهود جعل الأوس والخزرج يعيشون حياة قاسية، ومن ثم فقد كان الواحد منهم، إما أن يعمل في مزارع يهود، وإما أن يستغل خبرته السابقة في الزراعة، فيعمل في أرض لا تنتج الكثير من الغلات، لأنها في غالب الأحايين إنما كانت أرض موات تركها اليهود، وفي كلا الحالين فقد كان القوم غير ميسر عليهم في الرزق١.

وما أن يمضي حين من الدهر، حتى استطاع أصحابنا من أوس الخزرج وخزرج أن يكونوا أصحاب مال وعدد، حتى أن يهود بني قريظة والنضير أحسوا أنهم لو تركوهم على حالهم هذا، فقد يشكلون في وقت قريب خطرا، قد يهدد مصالح يهود في المدينة، وربما قد يهدد القوم أنفسهم، ومن ثم فقد "تنمروا لهم حتى قطعوا الحلف الذي بينهم، فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم خائفين أن تجليهم يهود، حتى نجم منهم مالك بن العجلان، من بني سالم بن عوف بن الخزرج، فكان سببًا في أن يسود الحيان، الأوس والخزرج"٢.

وهنا تجنح المصادر العربية إلى رواية -علم الله- أننا ما كنا براغبين في التعرض لها، لولا أنها -وأمثالها- قد تكررت بصورة أو بأخرى في مواضع وأزمنة مختلفة، وفي مراجع لها من القيمة مالها عند الناس، ورغم ذلك فهي لا تتعارض مع المنطق والتاريخ فحسب، ولكنها تتعارض كذلك مع العادات والتقاليد العربية التي يعترف الأعداء بها قبل الأصدقاء، والمخالفون قبل الموافقين، فضلا عن الحاقدين والمتشككين في كل خلة عربية كريمة.

تزعم المصادر العربية -دون غيرها من المصادر، حتى اليهودية- أن واحدًا دعوه "الفيطون" "الفطيون أو الفطيوان" كان ملكًا على يهود في يثرب، وأنه كان جبارًا عشوما، فاجرا فاسقا، حتى أن المرأة من الأوس والخزرج- وكذا من اليهود في بعض الروايات- كانت لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل عليه أولًا، فيكون هو الذي يفتضها، ثم إن أختا لابن العجلان -دعوها فضلاء- قد تزوجت برجل


١ تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٨٦-٢٨٧، الأغاني ١٩/ ٦٩، خلاصة الوفا ص١٦٥، وفاء الوفا ١/ ١٢٥، على حافظ: المرجع السابق ص١٥.
٢ السمهودي: وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ١/ ١٢٥-١٢٦، الدرر الثمينة ص٣٢٦-٣٢٧، الأعلاق النفيسة لابن رسته، ص٦٣، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٣٢٤-٣٢٥.

<<  <   >  >>