للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النساء غير المؤمنات، أي غير اليهوديات؛ لأن الزنا بغير اليهود -ذكورًا وإناثًا- لا عقاب عليه؛ لأن كل الأجانب إنما هم من نسل الحيوان١.

وهكذا يبدو بوضوح أن الاعتماد على كتب اليهود الدينية -سواء أكانت توراة أو تلمودًا- إنما تؤكد قصة الفيطون ولا تنفيها، وإنما يمكن نفيها- كما أشرنا من قبل- عن طريق دراسة أحوال العرب وتقاليدهم في تلك العصور الخالية، بل وفي كل عصور التاريخ قاطبة، وحتى يومنا هذا.

وأما الدكتور عبد الفتاح شحاتة فلم يقدم لنا في الواقع أدلة مقنعة تثبت هذه الرواية، وإنما أخذ أضعف مواقفها واتخذها حججًا له، فقتل الفيطون- كما جاء في القصة- لا يثبت شرفًا، ولا ينفي عارًا، وأما أن أمثال هذه القصة حدثت في أوربا في العصور الوسطى، ومن ثم فقد تكون عادة شائعة في تلك العصور القديمة عند بعض ملوك الشرق ورؤسائه، فليست حجة يحتج بها لإثبات قصة الفيطون وأمثالها، فليس هناك من شك في أن ما يحدث في بلد قد لا يحدث في بلد آخر، لاختلاف العادات والتقاليد، فضلا عن الظروف السياسية والاقتصادية، ولست أدري كيف قبل الشيخ الجليل أن يجعل تاريخ أوربا في عصورها الوسطى نموذجًا يحتذى عند بعض ملوك الشرق القديم ورؤسائه، والفرق بين العادات والتقاليد في المنطقتين كان -وما يزال- جد شاسعًا، بل إن أمور العرض حتى اليوم هذه قد يختلف الناس عليها في بلد واحد، وفي عصر واحد، فما أشد الخلاف حتى اليوم في كيفية معالجة هذه الأمور -خطأ أو صوابًا- في صعيد مصر، وفي غيره من أقاليم الكنانة.

وأما عن تساؤله عن الدوافع التي دعت الطبري وغيره إلى اختلاق مثل قصة طسم وجديس وغيرها، فليس ذلك إثباتا لها، وما أكثر ما جاء في كتب المؤرخين من روايات لا تتفق مع المنطق والتاريخ، فضلا عن تعارضها في بعض الأحايين مع الخلق والدين، وليس من المنطق، فضلا عن التاريخ الصحيح، القول بأن كل ما جاء في كتب المؤرخين صحيح، لمجرد التساؤل عن الدوافع التي دعت إلى هذا القول أو ذاك، أو حتى عدم معرفة هذه الدوافع، وأخيرًا فنحن لسنا مسؤلين عن هذه الدوافع، فضلا عن الدفاع عنها.


١ انظر مقالتنا عن "التلمود" مجلة الأسطول، العدد ٧٠، الإسكندرية ١٩٧٠ ص٥-٢١.

<<  <   >  >>