للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأساليب على حسب الأمزجة والأعمار والملكات الأدبية، فينظمون بمزاج الشاب طرفة، ومزاج الشيخ زهير، ومزاج العربيد الغزِل امرئ القيس، ومزاج الفارس المقدام عنترة بن شداد، ويتحرون لكل واحد مناسباته النفسية والتاريخية، ويجمعون له القصائد على نمط واحد في الديوان الذي ينسب إليه، ومعنى ذلك "ثالثًا" أن هذه القدرة توجد عند الرواة، ولا توجد عند أحد من الشعراء، ثم يفرط الرواة في سمعتها، وهم على هذا العلم بقيمة الشعر الأصيل، وما من ناقد يسيغ هذا الفرض ببرهان، فضلا عن إساغته بغير برهان، ولغير سبب، إلا أن يتوهم ويعزز التوهم بالتخمين، وأن تصديق النقائض الجاهلية جميعًا لأهون من تصديق هذه النقيضة التي يضيق بها الحس، ويضيق بها الخيال١.

هذا فضلا عن أن هناك إشارات إلى جمع قديم للشعر، فهناك رواية حماد التي تذهب إلى أن ملك الحيرة "النعمان بن المنذر" قد أمر فنسخت له أشعار العرب، وأن "المختار بن أبي عبيد الثقفي" قد اكتشفها في قصر النعمان٢، وأن "الفرزدق" كان يملك ديوان الشاعر، "زهير بن أبي سلمى"٣.

ومع ذلك، فإن هناك وجهًا آخر للنظر، وهو أن الشعر المزيف يصح أن يكون ممثلا للحياة العقلية الجاهلية، متى كان المزيف عالمًا بفنون الشعر، خبيرًا بأساليبه٤، ومن ثم فنحن نستطيع إذن أن نتقبل الشعر الجاهلي كله- الثابت والمشكوك فيه- على أنه من مصادر الحياة في الجاهلية، لأن الذين وضعوا ذلك القدر من الشعر الجاهلي قد حرصوا على أن يقلدوا خصائص الجاهليين اللغوية والمعنوية، واللفظية، وهكذا يظل هذا الشعر المنحول يدل على ما يدل عليه الشعر الثابت، من تصوير للحياة في بلاد العرب قبل الإسلام٥.


١ عباس العقاد: مطلع النور ص٤٨-٤٩.
٢ المزهر ١/ ١٤٨-١٤٩، وكذا D.S Margoliouth, Op. Cit, P.٤٢٧
٣ ريجيس بلاشير: المرجع السابق ص١٠٥-١٠٦، الفهرست ص٩١.
٤ أحمد أمين: فجر الإسلام ص٥١.
٥ عمر فروخ: تاريخ الجاهلية ص١٥.

<<  <   >  >>