للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"تاريخ آداب العرب" الذي صدر في عام ١٩١١م، ثم جاء الدكتور طه حسين، وذهب إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبًا جاهليًّا، ليست من الجاهلية في شيء وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين، وميولهم وأهواءهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين١، وأن هذا الشعر الذي ينسب إلى "امرئ القيس" أو إلى "الأعشى" أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن أن يكون من الوجهة اللغوية والفنية لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل أو أذيع قبل نزول القرآن الكريم٢.

وعلى أي حال، فإن قضية الشعر الجاهلي قضية معروفة في جميع كتب الأدب القديم، وأن القدامى قد سبقوا المحدثين إلى القول بأن كثيرًا من الشعر الجاهلي موضوع مختلق، يروي "ابن الجمحي" أن أول من جمع أشعار العرب، وساق أحاديثها، إنما هو "حماد الراوية" "م١٥٥/ ٧٧٢"، وكان غير موثوق به، كان ينحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعار٣، وأن تلميذه "خلف الأحمر" قد سار على منواله٤، وربما كان السبب فيما فعلاه- حماد٥ وخلف- حرص الأعاجم مثلهما، على إظهار مقدرتهم أمام العرب في نظم قصائد ومقطوعات تفوق في أصالتها تلك التي ارتجلها الجاهليون، وهكذا يبدو من صنيع الرجلين مبلغ الشك في عملية جمع النصوص الشعرية٦.

على أن الأستاذ العقاد، إنما ينكر التزييف تمامًا، ويرى أنه ما من قارئ للأدب يسيغ القول بوجود طائفة من الرواة يلفقون أشعار الجاهلية، كما وصلت إلينا، ويفلحون في ذلك التلفيق، إذ معنى ذلك "أولًا" أن هؤلاء الرواة قد بلغوا من الشاعرية ذروتها التي بلغها، امرؤ القيس والنابغة وطرفة وعنترة وزهير وغيرهم من فحول الشعر في الجاهلية، ومعنى ذلك "ثانيًا" أنهم مقتدرون على توزيع


١ طه حسين: المرجع السابق ص٧١-٧٢.
٢ نفس المرجع السابق ص٧٣.
٣ محمد بن سلام الجمحي: المرجع السابق ص١٤-٥، المزهر٢/ ١٥٣، ٤٠٦، الأغاني ٥/ ٨٩، ٨/ ٢٨٣، ريجيس بلاشير: المرجع السابق ص١١١-١١٤.
٤ بلاشير: المرجع السابق ص١٥، المزهر ١/ ١٠٧، ١١٧.
٥ انظر عن حماد الراوية: وفيات الأعيان ٢/ ٢٠٦-٢١٠، الأغاني ٦/ ٦٧، المعارف ص٣٣٣، الشعر والشعراء ص٢٠٦، تهذيب ابن عساكر ٤/ ٤٢٧.
٦ ريجيس بلاشير: المرجع السابق ص١١٦.

<<  <   >  >>