للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حلفاءهم من بني أشجع وبني جهينة، وراسل الأوس حلفاءهم من بني مزينة. وأخيرًا نشبت الحرب بين الفريقين عند "بعاث" -حصن بني قريظة- وانهزم الأوس في اليوم الأول، غير أن "عمر بن الخزرج" قائد الخزرج، سرعان ما قتل، وانتهز الأوس الفرصة، فمالوا على الخزرج ميلة رجل واحد، يقتلون رجالهم ويحرقون منازلهم ونخيلهم، بعد أن كانت يهود قد نهبت ما استطاعت من أموالهم، ولم ينقذ الخزرج ونخيلهم، إلا خشية الأوس من أن يستعيد اليهود مركزهم السابق في يثرب، فيضطروا لمواجهتهم منفردين بعد القضاء على الخزرج، وفعلا فلقد بدت نيات اليهود في واضحة في تحطيم الخزرج وإذلالهم، بخاصة وأنهم أصحاب اليد الطولى في القضاء على نفوذ اليهود في المدينة، ومن ثم فقد فضلت الأوس ال بالقضاء على روح التسلط في الخزرج، وصاح واحد منهم "يا معشر الأوس: أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم، فجوارهم خير من جوار الثعالب".

ويروي أن السيدة عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- قالت عن هذا اليوم "كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرحوا، قدمه الله لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دخولهم الإسلام"؛ ذلك لأن يوم بعاث قد أضعف بطون يثرب كلها وأوجد فيها ميلا إلى الاتحاد، كما أضعف كذلك روح العداوة والحقد في نفوس البطون اليثربية، حتى أخذ الناس ينصرفون لأعمالهم ويتذوقون لذة الراحة وهناءة العيش وصفاء البال، وكانوا كلما هم أحدهم أن يصب زيتا حارا على نار العداوة الكامنة في القلوب ليزيد في ضرامها، ويعظم من أوارها، سعى كثير من الزعماء وذوي النفوذ من الطرفين لكف يده حتى لا تسل السيوف من أغمادها، وجاء الإسلام واتفقت الكلمة، واجتمع الأوس والخزرج على نصرة الإسلام وأهله، وكفى الله المؤمنين شر القتال، وأصبح القوم بنعمة الله إخوانا١.


١ وفاء الوفا ١/ ١٥٢-١٥٥، خلاصة الوفا ص١٧٧-١٧٨، البكري ١/ ٢٥٩-٢٦٠، ياقوت ١/ ٤٥، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٨٩-٢٩٠، ابن الأثير ١/ ٦٨٠-٦٨٤، الأغاني ٣/ ١٩-٤٢، الميداني ١/ ٢، اللسان ٦/ ١٨، تاج العروس ١/ ٦٠٤، شرح ديوان حسان بن ثابت ص٢٧٨، ابن هشام ٢/ ١٨٣، صحيح البخاري ٥/ ١٠٨، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص٦٢-٧٠، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٣٣٦، محمد أحمد جاد المولى وآخرون: أيام العرب في الجاهلية ص٧٣-٨٤، إبراهيم العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص٤١-٤٣، وكذا
P.K. Hitti, Op. Cit., P.٨٩

<<  <   >  >>