للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما يوم سمير، فقد كان -طبقًا لرواية الأخباريين- كأغلب أيام العرب لسبب غير خطير، ذلك أن رجلا من بني ذبيان يقال له "كعب الثعلبي" نزل ضيفا على مالك بن العجلان، ثم خرج إلى سوق بني قينقاع، فرأى رجلا من "غطفان" معه فرس، وهو يقول "ليأخذ هذا الفرس أعز أهل يثرب" فقال كعب: مالك ابن العجلان، فسمه "سمير الأوسي فشتمه ثم قتله بعد مدة في حديث طويل، وخاف الحيان ان تنشب الحرب، وقبل الأوس أن يدفعوا للخزرج دية الحليف، وهي نصف دية النسيب، إلا أن الخزرج أبو إلا دية الصريح، ولج الأمر بينهم حتى أتى إلى المحاربة، فاجتمعوا واقتتلوا اقتتالا شديدا على مقربة من قباء"، ثم انصرفوا منتصفين، ثم التقوا مرة ثانية عند إطم لبني قينقاع، فانتصر الأوس، وانتهى الأمر إلى أن يحتكموا إلى "المنذر بن حرام" الخزرجي، جد حسان بن ثابت، الذي حكم بأن تدفع الأوس دية الصريح، وانتهت الحرب، وإن افترق القوم وقد شبت البغضاء في نفوسهم وتمكنت العدواة بينهم١.

وأما "يوم بعاث"، فقد كان آخر الحروب التي نشبت بين الأوس والخزرج، وقبل هجرة المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بخمس سنوات، وتروي المصادر العربية أن الحروب السابقة بين الأوس والخزرج، إنما كانت في غالبيتها للخزرج، ومن ثم فقد رأى الأوس محالفة بني قريظة، فأرسلت إليهم الخزرج، "لئن فعلتم فأذنوا بحرب" فتفرقوا وأرسلوا إلى الخزرج "إنا لا نحالفهم ولا ندخل بينكم"، ومع ذلك فقد استمر كل فريق يستميل إليه يهود، فضلا عن قبائل عربية أخرى، ولعب اليهود أخطر الأدوار في إشعال نار الحرب بين الحيين العربيين، بغية تفتيت وحدتهم، وأملا في أن يكتب له نجاح في القضاء على الوحدة العربية، وبالتالي عودة السيادة لهم في يثرب من جديد.

وهكذا جدد بنو قريظة والنضير تحالفهم مع الأوس، ثم ضموا إليهم قبائل أخرى من اليهود واستعدوا للحرب، وخشي الخزرج أن تنزل بهم هزيمة، فراسلوا


١ ابن الأثير ١/ ٦٥٨-٦٦٢، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٣٣٣، المفضليات ص١٣٥، البدء والتأريخ ٣/ ١٣٠، الاشتقاق ١/ ٢٦٦، الأعلاق النفيسة ص٦٤، وفاء الوفا ١/ ١٥٢، الأغاني ٢/ ١٦٢١-١٦٤، أيام العرب في الجاهلية ص٦٢-٦٤، جرجي زيدان: المرجع السابق ص٣٦١-٣٦٢، قارن: تاريخ الجاهلية ص١٢٣-١٢٤.

<<  <   >  >>