للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها، ومن أسف أن القوم ما لبثوا أن أصيبوا بلعنة الصراع القبلي، وتحولت المنافسات التي كانت بينهم وبين يهود، إلى مشاحنات بينهم وبين بعضهم البعض الآخر، أدت في النهاية إلى قيام الحروب بين الحيين العربيين، لعبت فيها العوامل السياسية والتنافس على الزعامة في يثرب دورا كبيرا، هذا فضلا عن العوالم الاقتصادية والتي تتخلص في رغبة في كل من الفريقين في الاستيلاء على ما عند يهود، ثم حدث أن احتل الأوس بقاعا أخضب وأغنى من تلك التي احتلها الخزرج، في الوقت الذي كان الخزرج يتمتعون فيه بمركز الصدارة، لأن نصرة العرب، إنما جاءت على يد رجل خزرجي -هو مالك بن العجلان.

وهكذا كان الخزرج ينفثون على الأوس مكانتهم الاقتصادية، بينما كان الآخرين ينفثون على الأولين، مكانتهم السياسية، حدث هذا في وقت كانت فيه سياسة اليهود مع القبائل العربية إنما تقوم على الإيقاع بينها، وإثارة الأحقاد بين المتخاصمين منهم، كلما جنحوا إلى النسيان وتعاهدوا على الصلح والأمان، ومن ثم فقد عملت يهود في إذكاء روح التحاسد والتباغض التي بدأت تظهر في سماء العلاقات بين الحيين العربيين الشقيقين، حتى يشعلوا نارا، إن لم تقض على الأوس والخزرج معا، فعلى الأقل تشغل كل فريق بالآخر، وتنتهز يهود الفرصة استعدادًا لجولة قادمة، أو على الأقل الحفاظ على ما هي عليه.

وحققت يهود نجحا بعيد المدى فيما تريد، ودقت طبول حرب بين الفريقين، تناوب فيها الأوس والخزرج النصر والهزيمة، وكان من أهمها ما عرف بحرب سمير، وحرب كعب بن عمرو المازني١ وحرب حاطب بن قيس٢، فضلا عن يوم السرارة٣، ويوم فارع٤، ويوم الفجار الأولى والثاني٥، وحرب الحصين ابن الأسلت٦، ثم حرب بعاث، وكان أولها حرب سمير، وآخرها حرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنوات٧، "٦١٧م".


١ ابن الأثير ١/ ٦٦٠-٦٦٢، وفاء الوفا ١/ ١٥٢، أيام العرب في الجاهلية ص٦٩-٧١.
٢ ابن الأثير ١/ ٦٧١-٦٧٢.
٣ ابن الأثير ١/ ٦٦٢-٦٦٥.
٤ ابن الأثير ١/ ٦٦٨-٦٧١.
٥ ابن الأثير ١/ ٦٧٦، ٦٧٨-٦٨٠.
٦ ابن الأثير ١/ ٦٦٥-٦٦٦.
٧ وفاء الوفا ١/ ١٥٢، ١٥٥، ابن الأثير ١/ ٦٥٥-٦٨٤، الأغاني ٣/ ١٩-٤٢، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص٦٨.

<<  <   >  >>