للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخزرج وقت ذاك بطونا من بني غسان لمحاربة يهود، وأنه مجرد استنفار أمير خزرجي لنصرة ذوي قرباه، ويبدو هذا واضحًا في طريقة القضاء على زعماء يهود، الأمر الذي لا يدل على أن هناك جيشا غسانيا جاء ليحارب يهود يثرب وإنما هي فرقة على رأسها أبو جيلة، مما اضطره إلى استعمال الحيلة والمكر لتنفيذ خطته١.

ومنها "رابعًا" أن الصراع لم يكن صراعا دينيًّا، وإنما كان صراعا اقتصاديا في الدرجة الأولى، وسياسيا في الدرجة الثانية، ومن ثم فليس صحيحًا ما ذهب إليه "فلهازون" من أن الكفاح بين النصرانية واليهودية في الحجاز كان عنيفا جدًّا، وأن غارات الفرس على حدود الإمبرطورية الرومانية أوقفت الملحمة الفاصلة لوقت ما، ولولا ظهور الإسلام لأصبحت بلاد العرب منقسمة دينيًّا إلى قسمين، يهودية ونصرانية٢، صحيح أن الدين كان وسيلة من وسائل الصراع الهامة، ولكن صحيح كذلك أن الإمبراطورية الرومانية لم تكن تعمل لقهرب اليهودية كدين، كما أن الفرس لم يكونوا يشجعونها لغرض ديني، وإنما كن الغرض سياسيا عند كلتا الدولتين، على أن علاقة اليهود لم تكن سيئة ببلاد الشام، بل إنها على الأرجح كانت حسنة، فكان بعض اليهود يرسلون قوافلهم التجارية إلى بلاد الغساسنة، فضلا عن أن يهود عندما أجلاهم المصطفى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- عن يثرب، إنما هاجروا إلى بلاد الشام، ولو كانت العلاقة بينهم وبين الغساسنة، أو الروم سيئة لا تجهوا إلى مكان آخر، كالعراق الذي كانت به جاليات يهودية، تحت سيادة الدولة الفارسية التي كانت تشجع اليهود في بلاد العرب٣.

وأيًّا ما كان الأمر، فإن الغلبة في هذا الصراع إنما كانت من نصيب الأوس والخزرج، ومن ثم فقد أصبح لهم كيان سياسي في يثرب، يفوق ما كان لليهود


١ تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٨٩، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص٢٣٦، ابن الأثير ١/ ٦٥٧، عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص٥٥٨، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص١٠٣، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٣٣٠.
٢ إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص١٢، وكذا
J. Welhausen, Skizzen Und Vorarbeiten, Berlin, ١٨٩٩, P.١٢
٣ أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٣٣١.

<<  <   >  >>