للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن المؤرخين المحدثين إنما يعارضون هذا الاتجاه، ويرون أن النزاع كان محليا بين العرب واليهود في يثرب، وأنه كان بسبب الظروف الاقتصادية، واعتماد السكان في المدينة على استثمار الأراضي الزراعية، ويقدمون على ذلك عدة أدلة، منها "أولًا" استمرار هذا النزاع بين الأوس والخزرج أنفسهم بعد تغلبهم على اليهود، واشتراك كل طوائف المدينة فيه تبعا لمصلحتها الاقتصادية١، ومنها "ثانيًا" أننا لا نستطيع تحديد تاريخ هذا النزاع، وهل كان بعد استيلاء الأحباش على اليمن، أم كان قبله؟، على أننا لو أخذنا بوجهة نظر "سديو" في أن سيادة الأوس والخزرج على المدينة إنما كانت في عام ٤٩٢م، وما ذهبت إليه المصادر العربية من أن الحرب بين الأوس والخزرج قد استمرت مائة وعشرين سنة حتى جاء الإسلام، وأن هذه الحرب لم تبدأ بين الحيين العربيين إلا بعد سيادتهم على المدينة، فإن الاتجاه الذي ذهب إلى أن هذه السيادة إنما حدثت قبل استيلاء الحبشة على اليمن، ربما كان أقرب إلى الصواب٢.

غير أننا سوف نواجه هنا بمشكلة موقف الحميريين أما القضاء على نفوذ أبناء دينهم في يثرب، وأكبر الظن عندي -إن صح هذا الأمر- أن ظروف اليمن الداخلية، وتهديدات الأحباش لها، ربما لم تمكنها من التدخل في هذا النزاع، أو أن الحميريين لم يروا معاداة العرب بتدخلهم ضد الأوس والخزرج -وهم في نفس الوقت من قبائل الأزد اليمنية- ومناصرة يهود الذين أصبحوا يرتبطون بهم برباط الدين.

ومنها "ثالثًا" أن العلماء يكادون يجمعون -كما أشرنا من قبل- أن أبا جبلة لم يكن ملكًا في غسان، وإنما كان زعيما من الخزرج عاش في البلاط الغساني، ومن ثم فإن نصرته للعرب -إن صحت الرواية، وهذا ما نشك فيه- لا تعني تدخل دولة بني غسان، إذ لو كان الأمر كذلك ما اقتصر التدخل على يهود يثرب، ولشمل الجاليات اليهودية ي خيبر ووادي القرى، فضلا عن تبوك وتيماء، ومن ثم فإن هذا العون ربما كان من نوع المحالفات القبلية، وربما قد حالف الأوس


١ أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٣٣٢.
٢ أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٢٢٩-١٣٠، لويس أميل سديو: تاريخ العرب العام ص٥١، السمهودي: وفاء الوفا ١/ ١٥٢.

<<  <   >  >>