للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأمر بهذه الصورة يحتاج إلى وقفة، "فأولا" ليس هناك من شك في أن يوحنا المعمدان "يحيى عليه السلام" نبي من أنبياء الله المصطفين الأخيار، "وثانيًا" لماذ يمنع يوحنا هذا الزواج، ومبلغ علمي أن اليهودية -دين هيرودوس- لا تمنع ذلك بل تفرضه على المؤمنين بها، كما تفرض كذلك أن ينسب الأبناء من هذا الزواج الجديد إلى الأخ المتوفى١، فإذا كان ذلك صحيحًا، فإن المسيحيين إنما يفسرون الأحداث طبقًا لتعاليم دينهم، وما كان هيرودوس مسيحيا، وإنما كان ملكًا يهوديا على دولة يهودية، فالتاريخ حتى تلك اللحة لا يتعامل مع ملوك، أو حتى شعوب مسيحية، كما أن يحيى -أو يوحنا المعمدان- كما يسمونه- لم يكن نصرانيا، حتى يفتي بشريعة النصارى، إلا أن يكون السبب الوسيلة التي تزوج بها "هيرودوس" من "هيروديا"، حيث تذهب بعض الروايات إلى أنه قتل أخاه "فيلبس" زوج هيروديا.

وأيًّا ما كان الأمر، فإن الحرب سرعان ما تدق طبولها بين اليهود والأنباط، ولكن ليس بسبب قتل النبي الكريم، وإنما بسبب زواج هيرودوس بأرملة أخيه، وطلاق ابنة الحارث الرابع، فضلا عن اختلافهما على بعض مناطق الحدود، وهكذا نشبت المعارك بينهما، وانتهت بانتصار الحارث في "جلعاد"، ومن ثم فقد استنجد "هيرودوس" بالقيصر "تيبيريوس" "١٤-٣٧م" الذي أمر عامله في سورية بالقضاء على الأنباط، ولكن بينما كان القوات الرومانية تتحرك نحو "البتراء" تأتي الأخبار بوفاة القيصر، فتتوقف الحرب، وينجو الحارث الرابع، بل وتسوء حالة "هيرودوس"، فيضطر الرومان إلى تنحيته عن العرش، ونفيه إلى أسبانيا٢.

وإذا ما عدنا مرة أخرى إلى الإنجيل، فإننا نقرأ أن دمشق كانت في يد الحارث


١ تكوين ٣٨: ٦-١١.
٢ تاريخ يوسفيوس ص٢١٣، جواد علي ٣/ ٤٣-٤٤.
وكذا Josephus, Antiquities Of The Jews, ١٨, V, ١

<<  <   >  >>