للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الغساسنة، فقد استقروا في نواحي الجنوب الشرقي من دمشق، على مقربة من الطرف الشمالي لطريق النقل الهام الذي كان يربط بين "مأرب" في الجنوب، و"دمشق" في الشمال١، وأما متى حدثت هجرة الغساسنة -وكذا المناذرة- من اليمن إلى الشام، فذلك موضع خلاف بين العلماء، صحيح أن الروايات العربية تحدد ذلك بانهيار سد مأرب، ثم حدوث سيل العرم، ولكن صحيح كذلك أن سد مأرب إنما انهار عدة مرات خلال الفترة الطويلة التي مضت منذ تشييده -لأول مرة- في منتصف القرن السابع قبل الميلاد- وربما الثامن كذلك٢- وبين آخر مرة أصلح فيها السد في عام ٥٤٣م على أيام أبرهة الحبشي، إذ أن هناك عدة إشارات في النصوص العربية الجنوبية إلى تهدم السد وإصلاح٣، ومن ثم فلا ندري على وجه التحديد في أي وقت من هذه الفترة -التي ربما تزيد على اثني عشر قرنا- قد حدثت هذه الهجرة، وأما الروايات العربية، فبعضها يذهب إلى أن ذلك إنما كان قبل الإسلام بأربعة قرون، وبعضها يرى أن ذلك إنما كان على أيام الحبشة، وبعضها يرى ذلك في القرن الخامس الميلادي، على أيام "حسان بن تبان أسعد"، وأخيرا فإن هناك روايات ترى أن ذلك إنما كان في القرن الرابع الميلادي٤.

وعلى أي حال، فما أن يمضي حين من الدهر على هجرة الغساسنة إلى الشام، حتى تبدأ الخلافات بينهم وبين الضجاعمة وينتهي الأمر بغلبة بني غسان على بني سليح، وإن لم يقضوا عليهم نهائيا، ومن ثم فقد بقوا -كما يرى نولدكه- في مواضع أخرى من الشام إلى زمن متأخر، بدليل أن النابغة الذبياني قد زار أحدهم في "بصرى"، وأن جماعة منهم قد حاربوا خالد بن الوليد في دومة الجندل تحت قيادة "ابن الحدرجان" وفي "قصم"٥.


١ المسعودي: التنبية والإشراف ص١٥٨، كتاب المحبر ص٣٧٠-٣٧١
وكذا P.K. Hitti, Op. Cit., P.٧٨
٢ جواد علي ٢/ ٢٨١، نزيه مؤيد العظم: المرجع السابق ص٨٨، وكذا -
D. Nielseon, Op. Cit., P.٧٩. وكذا F. Altheim And R. Stiehl, Op. Cit., P.٢٧
٣ فريتز هومل: المرجع السابق ص١٠٩، فؤاد حسنين: المرجع السابق ص٣٠٤، أحمد فخري: المرجع السابق ص١٨٣، جواد علي ٢/ ٥٨٦، ٣/ ٣٨٣-٣٨٤.
وكذا A. Jamme, Op. Cit., P.١٧٦ وكذا J.B. Philby, Op. Cit., P.١١٨
وكذا Le Museon, ١٩٦٤, P.٤٩٣-٤. وكذا R.A. Nicholson, Op. Cit., P.١٦
٤ ياقوت ٥/ ٣٥، جرجي زيدان: المرجع السابق ص١٥٥، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص٣١٥.
٥ تاريخ الطبري ٣/ ٣٧٨، ابن خلدون ٢١/ ٢٧٨، فتوح البلدان ١/ ١٣٢، المحبر ص٣٧١.

<<  <   >  >>