للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويبدو أن النعمان كان على علاقة طيبة بالنصارى من قومه -على الأقل في الفترة الأخيرة من حكمه- وأنه بدأ يتقبل المسيحية، أو أنه كان يميل إليها، ولعل السبب في ذلك، أننا نقرأ في سجل الكنيسة الشرقية أن الحيرة كان عليها أسقف في عام ٤١٠م، وأن ملكها قد حمى النصرانية، ومن ثم فقد كانت الروايات التي تدور حول تنسكه حين أدرك أن حطام الدنيا لا محالة زائل، بما فيها قصره الفخم، ومن ثم فقد زهد فيها، وعكف على البر والتقوى، فانقلب سائحا زاهد١، وإن كان أمر اعتناقه المسيحية ما يزال موضع شك كبير، ذلك لأن ملوك الحيرة كانوا حتى أواسط القرن السادس الميلادي ما يزالون على الوثنية، وأن المنذر بن ماء السماء كان يقدم الذبائح البشرية إلى العزى٢.

وعلى أي حال، فلقد اشتهر النعمان كذلك بكتيبتي الخيالة الشهيرتين عند العرب، وهما: الدوسر ورجالها من الفرس، والشهباء ورجالها من تنوخ، وغزا بهما عرب الشام عدة مرات، وعلى أيامه ازدهرت مدينة الحيرة، كما لم تكن من قبل٣.

وجاء بعد النعمان ولده "المنذر" "٤١٨-٤٦٢م" من زوجه "هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو الغساني"٤، وقد وصلت الحيرة في عهده إلى درجة مكنتها من أن يكون لها صوت مسموع في أحداث العصر، كما مكنت المنذر من أن يحمل كهنة الفرس على تتويج "بهرام" الذي رباه أبوه النعمان، غير عابئين بمنع آخر كان يسعى إلى العرش بكل قوته٥.

وقد شارك المنذر في الحروب التي قامت بين الفرس والروم، بسبب اضطهاد


١ تاريخ الطبري ٢/ ٦٧-٦٨، تاريخ اليعقوبي ١/ ٢٠٩، ابن الأثير ١/ ٤٠١، ياقوت ٢/ ٤٠٢، كتاب المعارف ص٢٨٢، بلوغ الأرب ١/ ٢١٤، المقدسي ٣/ ١٩٩-٢٠٠، المحبر ص٣٥٨-٣٥٩، جرجي زيدان: المرجع السابق ص٢٢٣، سعد زغلول: المرجع السابق ص٢١٨-٢١٩
R. Nicholson, Op. Cit., P.٤١. وكذا P.K. Hitti, Op. Cit., P.٨٣
٢ جرجي زيدان: المرجع السابق ص٢٢٣.
٣ سعد زغلول: المرجع السابق ٢١٨.
٤ تاريخ الطبري ٢/ ٩٠، حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص٦٩.
٥ P.K. Hitti, History Of The Arabas, P.٨٢-٣

<<  <   >  >>