للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهذا الرأي الأخير فهي "أمة الحارث بن حصين"، ومن ثم فهي من أصل يهودي١، فإذا أضفنا إلى ذلك أنه كان أحمر أبرش قصير٢، لتبين لنا بوضوح السبب في أن القوم كانوا كثيرًا ما يتهكمون به، مما أثر في نفسيته وفي سلوكه، حتى أصبح سريع الغضب، سهل التصديق للوشايات، حتى أوقع بـ "عدي بن زيد" الذي أجلسه على العرش، وحين أراد أن يكفر عن خطيئته هذه، أضاع نفسه وأضاع عرشه٣.

وهكذا تذهب بعض الروايات إلى أنه ساعد "زيد بن عدي بن زيد"، ليكون عند "كسرى أبرويز" "٥٩٠-٦٢٨م" في مكان أبيه، وأن زيدا إنما كان يضمر الحقد للنعمان، وينتهز الفرصة للانتقام منه، وقد جاءته هذه في طلب كسرى زوجاته لأولاده، ومن ثم فقد أشار عليه بأن يطلبهن من النعمان، ففي بناته وبنات عمه وأهله، أكثر من عشرين امرأة، يصلحن لمصاهرة كسرى، وكان زيد يعلم أن النعمان إنما يضن بذلك على كسرى، بل إن جوابه إنما كان على طلب كسرى "أما في بقر السواد وفارس ما يكفيه "أي كسرى" "حتى يطلب ما عندنا"، وكان ذلك سببا في غضب كسرى، وفي استدعاء النعمان إلى فارس بغية القضاء عليه، ومن ثم فقد هرب النعمان إلى أصهاره في "طيء"، أملا في حمايتهم له، ولكن القوم رفضوا حمايته، مما دفعه إلى أن يودع أهله وماله عند "هانئ بن مسعود الشيباني" وأن يتوجه إلى كسرى، حيث أرسل مخفورا إلى "خانقين" أو "ساباط"، وبقي هناك حتى مات بالطاعون على رواية، وطرح بين أرجل الفيلة فداسته حتى مات على رواية أخرى٤.

وعلى أي حال، فيبدو أن دولة الحيرة قد بدأ الضعف يتسرب إليها على أيام النعمان، لانصرافه إلى اللعب والشراب، فعلى أيامه هزم "بنو يربوع" جيش


١ تاريخ الطبري ٢/ ١٩٤، تاريخ اليعقوبي ١/ ٢١٢، حمزة الأصفهاني، المرجع السابق ص٧٣.
٢ تاريخ الطبري ٢/ ١٩٤، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٦٦.
٣ محمد أحمد جاد المولى وآخرون: أيام العرب في الجاهلية ص١٣-١٨.
٤ ابن الأثير ١/ ٤٨٢-٤٨٨، ابن خلدون ٢/ ٢٦٥-٢٦٧، تاريخ اليعقوبي ١/ ٢١٤-٢١٥، مروج الذهب ٢/ ٧٦-٨٧، تاريخ الطبري ٢/ ٢٠١-٢٠٦، المعارف ص٣٨٤، الشعر والشعراء ١/ ١٥٠-١٥٦، المقدسي ٣/ ٢٠٥-٢٠٦، ياقوت ٤/ ٢٩٣-٢٩٤، اللسان ٦/ ٣٠٨، أيام العرب في الجاهلية ص١٨-٢٤، دائرة معارف وجدي ٧/ ٢٤، شعراء النصرانية ص٤٩١، ديوان الأعشى ص١٢٨، محمد الخضري ١/ ٣٢، جرجي زيدان: المرجع السابق ص٢٢٠.

<<  <   >  >>