للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا يولون ويعزلون في ميادين الخيل، وفي مخادع النساء١، والرأي عندي أن تفسير الأمور بهذه البساطة وتوجيه التهم للآخرين أمر غير مقبول في البحث العلمي، ثم إن القيصر، ما أظن أنه كان على المستوى الخلقي الذي ذهب إليه الدكتور فروخ، فإذا أضفنا إلى ذلك أنه هو نفسه يرى أن الغساسنة -وهم أقوى بكثير من امرئ القيس وأهم منه بالنسبة للروم- لم يكونوا إلا جباة ضرائب للروم من العرب٢، فضلا عن أن امرأ القيس، في ظروفه التي قدم من أجلها إلى القسطنطينية، لا يعدو أن يكون مستجيرا بالقيصر يطلب عونه في الأخذ بثأره، وفي أحسن الأحوال لاسترجاع ملكه، ليكون بعد ذلك صنيعة للروم، وفي كل ذلك ليس هناك ما يدعو القيصر لغض النظر عن فعلته هذه، إن كانت قد حدثت، وهذا ما نشك فيه؛ لأننا لا نملك دليلا واحدا على حدوثها، غير الروايات العربية، وما أكثر ما في هذه الروايات من جنوح إلى الخيال، حتى لو كان هذا الخيال، يتعارض مع الشرف، كما في روايتهم عن عملوق في جديس٣، والفيطون في يثرب٤، وابن عم بلقيس في سبأ٥، ولختيعة أيم ذى نواس٦، وعتودة مولى أبرهة الحبشي٧، وغير ذلك من الروايت الخيعة، والتي تعد رواية ابنة القيصر وامرئ القيس، هينة بسيطة بالنسبة إليها.

أضف إلى ذلك أن هناك رواية أخرى تذهب إلى أن "الطمح الأسدي" قد اتصل بجماعة من رجال القيصر بعد خروج امرئ القيس مع الجيش الذي أعانه به القيصر ليأخذ بثأره، وطلب منهم أن يبلغوا القيصر: "إن العرب قوم غدر، ولا نأمن أن يظفر امرؤ القيس بما يريد، ثم يغزوك بمن بعثت معه"٨، كما أن الحلة


١ عمر فروخ: تاريخ الجاهلية ص٩٤.
٢ نفس المرجع السابق ص٦٨.
٣ ابن الأثير ١/ ٣٥٢-٣٥٤، تاريخ الطبري ١/ ٦٢٩-٦٣٢، مروج الذهب ٢/ ١١١-١١٩، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٤-٢٥.
٤ ابن الأثير ١/ ٦٥٦-٦٥٨، السمهودي: وفاء الوفا ١/ ٦٢٩-٦٣٢، ابن خلدون ٢/ ٢٨٧، ٢٨٩، ياقوت ٨٤-٨٧، الدرر الثمينة ص٣٢٧، الاشتقاق ص٢٧٠.
٥ تاريخ الخميس ص٢٧٦، ابن الأثير ١/ ٢٣٢-٢٣٣.
٦ ابن هشام ١/ ٣١-٣٢، ابن الأثير ١/ ٤٢٥-٤٢٦، تاريخ الطبري ٢/ ١١٨-١١٩، المحبر ص٢٦٨.
٧ تاريخ الطبري ٢/ ١٢٨-١٢٩، ابن الأثير ٨/ ٤٣٢-٤٣٣.
٨ ابن قتيبة: الشعر والشعراء ص٤٦، الأغاني ٨/ ٧٠، جواد علي ٣/ ٣٧١، إيليا حاوي: امرؤ القيس ص٢١.

<<  <   >  >>