للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرنسية على رأي آخر، إلا أن هناك اتفاقًا على أنه كان عالمًا، وأنه قد زود بآلات قياس دقيقة للغاية، وأنه قد نجح إلى حد كبير في تعيين المواقع المختلفة التي مر بها على سواحل البحر الأحمر، مثل ينبع وجدة وغيرهما، وبصورة تقريبية موقع المدينة المنورة التي لم يقدر له أن يشرف بزيارتها، وبصفة دقيقة لموقع مكة المكرمة على خريطة العالم، وهكذا أمكن -ولأول مرة- تحديد الموقع العرضي لأحد الأماكن في داخل بلاد العرب بالنسبة إلى خط الاستواء، هذا إلى جانب وصف دقيق للكعبة المشرفة ولكل ما كان يجري في موسم الحج١.

والذي يقرأ وصف الرجل للأماكن المقدسة، كما جاء في كتاب جاكلين بيرين٢، يدرك أن الرجل كان مسلمًا عن يقين -كما كان يعلن هو دائمًا- رغم ما أثير حول إسلامه من شبهات.

والرأي عندي، أن من يعيش الظروف التي عاشها "علي بك العباسي" ويزور الأماكن الطاهرة التي زارها، وينال شرف رؤية الكعبة -أقدس مقدسات المسلمين- من داخلها، ويسهم في تنظيف البيت الحرام، إن من يسبغ الله عليه كل هذه النعم، ليس ببعيد أن يهديه الله سواء السبيل ويفتح قلبه للإسلام، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} ٣ وعلى أي حال، فإني لا أثبت هنا إسلام "علي بك العباسي"، ولا أنفيه، فليست لدي الأدلة على هذا أو ذاك، والله وحده يعلم الغيب من الأمر، ولكن بعد أن مَنَّ اللهُ عليَّ بفضله، وعشت فترة من عمري بين رحاب هذه المقدسات الشريفة، لا أستبعد أن الله جل وعلا، قد فتح قلب الرجل للإسلام، بصرف النظر عن المهمة التي جاء من أجلها، والله يهدي من يشاء.

وجاء بعد ذلك الرحالة السويسري، "جوهان ليدونج بوركهارت" الذي وصل إلى سورية في مارس ١٨٠٩م، ليقوم بزيارة المناطق المتاخمة لشبه الجزيرة العربية، وليجمع المعلومات عن البدو، وهناك بذل جهدا كبيرًا في دراسة القرآن الكريم وتفسيره -بعد أن كان قد درس اللغة العربية في إنجلترا- حتى عرف باسم الشيخ


١ نفس المرجع السابق ص١٤٦، جاكلين بيرين: المرجع السابق ص١٨٦-١٩٨.
٢ نفس المرجع السابق ص١٨٦-١٩٨.
٣ سورة الحديد: آية٢١، سورة الجمعة آية٤، وانظر تفسير القرطبي ص٦٤٢٧، ص٦٥٧٢-٦٥٧٣ "دار الشعب- القاهرة ١٩٧٠".

<<  <   >  >>