للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل قوله: "لم يك الحق" قول الخنجر بن صخر الأسدي١:

فإلا تك المرآة أبدت وسامة ... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم٢

يريد: فإلا تكن المرآة، والقول فيها واحد.

ومما يسأل عنه من باب النون قول العرب في ما حكاه سيبويه "لدن غدوة"٣ فيقال: لم نصبت غدوة ولم تجر بإضافة لدن إليها؟

والجواب: أنهم شبهوا النون في لدن بالتنوين في ضارب، فنصبوا غدوة تشبيها بالمميز نحو: عندي راقودٌ خلا، وجبةٌ صوفًا، والمفعول في نحو: هذا ضاربٌ زيدًا وقاتلٌ بكرًا. ووجه الشبه بينهما اختلاف حركة الدال قبل النون، وذلك لأنه يقال: لَدُنْ ولَدَنْ بضم الدال وفتحها، فلما اختلفت الحركتان قبل النون شابهت النون التنوين، وشابهت الحركتان قبلها باختلافهما حركات الإعراب في نحو: هذا ضاربٌ زيدًا، ورأيت ضاربًا زيدًا، ولأنهم قد حذفوا النون، فقالوا: لَدُ غُدوة، كما يحذف التنوين تارة ويثبت أخرى، فلما أشبهت النون التنوين من حيث ذكرنا انتصبت غدوةٌ تشبيهًا بالمفعول، وكما جاز أن تشبه النون بالتنوين فتنصب غدوةٌ تشبيهًا بالمفعول، كذلك شبه بعضهم غدوةً بالفاعل، فرفعها، فقال: لدُنْ غُدوةٌ، كما تقول: أقائم زيد؟ ومنهم من يلزم القياس فيها، فيجر بها، فيقول: لدُنْ غُدوةٍ، ومن فعل ذلك فلا سؤال عليه، قال سيبويه: "ولا تنصب غدوة مع غير لدُن"٤ لكثرتها في كلامهم، فغيروها -يعني عن الجر- لكثرتها، فلا تقول على هذا: لدُن بكرةً، لأنه لم يكثر في كلامهم.

فإن سأل سائل، فقال: غُدوةُ إنما وقعت في كلامهم معرفة، وإنما غَداةٌ هي النكرة، ألا تراك تقول: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: ٥٢] فتعرفها باللام،


١ الضيغم: اسم من أسماء الأسد. القاموس المحيط "٤/ ١٤٢".
الشاهد فيه "تك" حيث حذفت النون تخفيفًا ويريد "تكن".
٢ الكتاب "١/ ٢٤، ٢٨، ٧٩، ١٠٧".
٣ البيت له كما في العيني "٢/ ٦٣"، ونسب في التمام "ص١٧٦" إلى بعض بني أسد.
٤ الكتاب "٣/ ١١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>