للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودليل آخر يدل على أن "ظُبة" ليست محذوفة العين، وهو جمعهم إياها بالواو والنون نحو "ظُبُون" و"ظُبِين" ولم نرهم جمعوا شيئًا مما حذفت عينه بالواو والنون، إنما ذلك فيما حذفت لامه، نحو "سِنُون" و"عِضُون" أو فاؤه نحو "لِدُون"١.

ولا يجوز أيضًا أن تكون الفاء محذوفة لما قدمناه، فثبت أن اللام هي المحذوفة دون غيرها. ومن أقوى دليل على حذف لامها قولهم في جمعها "ظُبًا" فاللام كما ترى هي المعتلة، ونظيرها "لُغَة ولُغًى" و"بُرَة وبُرًا" وأصلها "ظُبْوة" بالواو لما ذكرناه في "ثُبة".

وأما "مائة" فيدل على أنها محذوفة اللام قولهم: "أَمْأَيْتُ الدراهمَ"٢ وليس في قولهم "أَمْأَيْتُ" ما يدل على أن اللام ياء دون الواو لقولهم "أَدْنَيْتُ" و"أَعْطَيْتُ" وهما "دَنَوْتُ" و"عَطَوْتُ" كقولك: "أَرْمَيْتُهُ" و"أَسْقَيْتُهُ" وهما من "رَمَيْتُ" و"سَقَيْتُ" ولكن الذي يدل على أن اللام من "مائة" ياء ما حكاه أبو الحسن من قولهم: "رأيت مِئْيًا" في معنى "مائة" فهذه دلالة قاطعة على كون اللام ياء.

ورأيت ابن الأعرابي قد ذهب إلى ذلك أيضًا، فقال في بعض أماليه: إن أصل "مائة": "مئية". فذكرت ذلك لأبي علي، فعجب منه أن يكون ابن الأعرابي ينظر من هذه الصناعة في مثله؛ لأن علمه كان أكثف من هذا، ولم ينظر من اللطيف الدقيق في هذه الأماكن، وإن كان بحمد الله والاعتراف بموضعه جبلا في الرواية وقدوة في الثقة، ولعله أن يكون وصل ذلك منها إلى أبي الحسن.

وأما "رئة" فمن الياء لا محالة، لأن أبا زيد حكى عنهم "رَأَيْتُ الرجلَ" إذا أصبتَ رئتَهُ. فهذه أيضًا دلالة قاطعة، وأصلها "رَئْية" كما ترى.

وأما "سنة" فقد تقدمت الدلالة على حذف لامها في عدة مواضع من هذا الكتاب، وأنه يجوز أن تكون واوًا، وأن تكون هاء.


١ لدون: لد: موضع، اسم رملة بضم اللام في الشام. اللسان "٣/ ٣٩١".
٢ أمأيت الدراهم: جعلتها مائة. لسان العرب "١٥/ ٢٧١" مادة/ مأي.

<<  <  ج: ص:  >  >>