للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب: أن العرب قد أجرت هاء التأنيث مجرى لام الفعل في أماكن:

منها: أنهم حقروا ما كان من المؤنث على أربعة حروف، نحو: "عَقْرَب" و"عَناق" و"سُعاد" و"زَيْنَب" بلا هاء، وذلك قولهم: "عُقَيْرِب" و"عُنَيِّق" و"سُعَيِّد" و"زُيَيْنِب". إنما فعلوا، ذلك ولم يلحقوا الهاء كما ألحقوا الثلاثي، نحو "قِدْر وقُدَيْرَة" و"شَمْس وشُمَيْسَة" و"هِنْد وهُنَيْدَة" من أن قبل أنهم شبهوا باء "عقرب" وقاف "عناق" ودال "سعاد" وباء "زينب" وإن كنّ لامات أصولا بهاء التأنيث في نحو "طلحة" و"حمزة" إذ كانت الباء والقاف والدال متجاوزة للثلاثة التي هي أول الأصول وأعدلها وأخفها وأعمها تصرفًا كتجاوز الهاء في "طلحة" و"حمزة" للثلاثة.

فكما أن هاء التأنيث لا تدخل عليها هاء أخرى كذلك منعوا الباء في "عقرب" ونحوها أن يقولوا "عقيربة" كما امتنعوا أن يقولوا في "حمزة": "حميزتة" فيدخلوا تأنيثًا على تأنيث، فلولا أنهم قد أحلوا الباء من "عقرب" وهي أصل محل الهاء الزائدة في نحو "طلحة" و"بيضة" و"تمرة" لما امتنعوا أن يقولوا "عقيربة". فهذا حد ما ضارعت فيه هاء التأنيث لام الفعل.

ومنها: أنهم قد عاقبوا بين هاء التأنيث وبين اللام، وذلك نحو قولهم "بُرة وبرًا" و"لُغة ولُغًى" و"ظُبة وظبًى" و"لِثة ولِثًى" أفلا تراهم كيف عاقبوا بينهما، حتى إنهم إذا فقدوا اللام جاءوا بالهاء، فقالوا "برة" و"ظبة" وقالوا: "رأيت مئيا" في معنى "مائة" فلما حذفوا اللام جاءوا بالهاء، ولما جاءوا باللام لم يأتوا بالهاء، وهذا أيضًا مما يقرب ما بينهما، ويشهد بتضارعهما.

ومنها: أن الهاء وإن كانت أبدًا في تقدير الانفصال فإن العرب قد أحلتها أيضًا محل اللام وما هو من الأصل أو جار مجرى الأصل، وذلك نحو قولهم "تَرْقُوة"١ و"عَرْقُوة"٢ و"قَمَحْدُوة"٣ فلولا أن الهاء في هذه الحال في تقدير الاتصال لوجب أن تقلب الواو ياء لأنها كانت تقدر طرفًا، فتقلب ياء كما تقلب في نحو "أحْقٍ"


١ الترقوة: عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان. اللسان "١٠/ ٣٢" مادة ترق.
٢ العرقوة: واحد العرقوتين. وهما خشبتان تعترضان على فوهة الدلو. اللسان "١٠/ ٢٤٩".
٣ القمحدوة: عظمة بارزة في مؤخر الرأس فوق القفا، والجمع قماحد. اللسان "٣/ ٣٤٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>