للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَ إلَّا بِالْغَايَةِ، فَهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ كُلِّ فَنٍّ مِنْ الْعِلْمِ مُهِمَّهُ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ جُلَّ اشْتِغَالِهِمْ بِالْفِقْهِ، لِأَنَّهُ سَيِّدُ الْعُلُومِ، ثُمَّ تُرْقِيهِمْ الْهِمَمُ الْعَالِيَةُ إلَى مُعَامَلَةِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَتِهِ، وَالْأُنْسِ بِهِ، وَقِيلَ مَا هُمْ هَذَا كَلَامُهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى١: عَلَيْك بِالْفِقْهِ، فَإِنَّهُ كَالتُّفَّاحِ الشَّامِيِّ يُحْمَلُ مِنْ عَامِهِ، وَأَمْلَى الشَّافِعِيُّ عَلَى مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ أَشْعَارَ هُذَيْلٍ وَوَقَائِعَهَا، وَآدَابَهَا حِفْظًا، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ أَنْتَ بِهَذَا الذِّهْنِ عَنْ الْفِقْهِ؟ فَقَالَ: إيَّاهُ أَرَدْت. وَقَالَ أَحْمَدُ عَنْ الشَّافِعِيِّ: إنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ الْفِقْهَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ مِنْ الْفِقْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحُثُّنَا عَلَى الْفِقْهِ، وَيَنْهَانَا عَنْ الْكَلَامِ، وَفِي خُطْبَةِ الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ: أَفْضَلُ الْعُلُومِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَصْلِ الدِّينِ وَعِلْمِ الْيَقِينِ مَعْرِفَةُ الْفِقْهِ.

وَقَالَ الْعُقَلَاءُ: ازْدِحَامُ الْعُلُومِ، مُضِلَّةٌ لِلْفُهُومِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الْوَلِيدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَقَدْ جَاءَ إلَيْهِ لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ لَا تَدْخُلْ فِي أَمْرٍ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حُدُودِهِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى مَقَادِيرِهِ، فَقُلْت لَهُ: عَرِّفْنِي، فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا كَامِلًا فِي حَدِيثٍ إلَّا بَعْدَ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا، قَالَ فَهَالَنِي قَوْلُهُ، قَالَ وَسَكَتَ مُتَفَكِّرًا وَأَطْرَقْت نَادِمًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنِّي قَالَ لِي: فَإِنْ كُنْت لَا تُطِيقُ احْتِمَالَ هَذِهِ الْمَشَاقِّ كُلِّهَا فَعَلَيْك بِالْفِقْهِ الذي يمكنك

ــ

[تصحيح الفروع للمرداوي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


١ هو: أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن موسى الصدفي انتهت إليه رئاسة العلم بمصر صحب الشافعي وأخذ عنه. "ت٢٦٤هـ". سير أعلام النبلاء ٢/٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>