اعلم أيها القارئ الكريم أن الله تعالى إذ ابتلى عباده المؤمنين اختبارا لهم وامتحانا ليعلم الذين يخافونه بالغيب، كما قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} فيرفع درجاتهم، ويعلى مقاماتهم ويظهر في الدنيا كراماتهم، وها هو ذا سبحانه وتعالى ينادى عباد المؤمنين ليخبرهم بأنه سيبتليهم بشيء من الصيد، والصيد هو ما يصاد من حمار الوحش إلى الغزال وما دون ذلك كالطير والأرانب، أطلق المصدر وأريد به اسم المفعول وهو المصيد؛ إذ الفعل صاد يصيد صيدا، كباع يبيع بيعا، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يا من آمنتم بالله ولقائه، وكتابه، ورسوله. {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ} أي ليختبرنكم الله ربكم ووليكم {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} أي مما يصطاد كالظباء والأرانب وغيرهما، وقد فعل ذلك بالمؤمنين أيام عمرة الحديبية فكانت الوحوش والطيور تغشاهم في رحالهم بصورة لم ير مثلها قط، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن صيده وقتله وهم محرمون بالعمرة قبل التحلل منها.
وقوله تعالى:{تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} أي لكثرته وكثرة ما يعشاهم في رحالهم فصغاره كبيضه، وفراخه تناله أيديهم لو أرادو أن يأخذوه وكباره تناله رماحهم لو أرادوا صيده. ثم ذكر تعالى الحكمة من هذا الابتلاء العجيب فقال عز وجل: