للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " فيكفى في كون التولى يوم الزحف كبيرة ذكره مع أعظم الكبائر وهى الشرك والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا واكل مال اليتيم وقذف المحصنات. وقوله تعالى في الآية الثانية: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أي ومن يعطى دبره للعدو فارا هاربا يوم الزحف أي ساعة المواجهة وزحف الطائفتين على بعضهما طائفة العدو الكافر وطائفة المجاهدين المؤمنين. وقبل ذكر الجزاء أي جزاء الشرط وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} قال تعالى: مستثنيا حالتين إذا فر منهما المؤمن المجاهد لا إثم عليه فيهما ولا حرج، لأنه تحرف لنصرة الإسلام وأهله لا فرارا من الموت وهى الموت يدفعه الفرار.!!؟؟

فالحالة الأولى: أن يفر المؤمن بين يدي مقاتله الكافر مكيدة له حتى إذا جرى وراءه عدوه وبعد عن صفوف إخوانه كر عليه المؤمن وقتله، هذه صورة من صورتين يفر فيهما المجاهد، ولا إثم عليه فيهما، والصورة الثانية أن يميل جانبا عن صف المجاهدين ليرى غرة من العدو فيصيبها هذا ما دل عليه قوله: {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} .

والحالة الثانية: أن يرى ضغطا شديدا من العدو؛ فيرى انه من المصلحة الجهادية أن ينحاز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها ويقوى هو بها، هذه صورة من صورتين جاز فيهما للمجاهد أن ينحاز من وجه العدو لينضم إلى إخوانه ليقويهم ويقوى بهم والصورة الثانية أن يكون الانحياز إلى قائد المعركة وإمام المسلمين ليتقوى به ويقويه فهاتان الصورتان دل عليهما قوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} أما إذا لم يكن قراره للحالتين الأولى وهى التحرف للقتال، والثانية الانحياز إلى فئة مؤمنة أو إلى القيادة فإن صاحب الفرار قد ارتكب كبيرة إذ لم يتب منها دخل النار والعياذ بالله تعالى، ذلك لقوله تعالى في جواب الشرط: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} آي رجع من المعركة مغضوبا عليه من الله عز وجل ومأواه الأخير جهنم وبئس المصير جهنم يصار إليها. إن بعض السلف قالوا هذا الفرار المتوعد عليه كان خاصا بغزوة بدر، وخالف الجمهور وقالوا الآية عامة وإن نزلت في غزوة بدر، والدليل على عمومها حديث البخاري الذي تقدم وهو الحق والصواب والله يتوب على من تاب فمن فر يوما استوجب العذاب لو مات أما من أناب فإنه يتوب الله عليه ويغفر له كبيرته بتوبته.

والحمد لله التواب الرحيم وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <   >  >>