كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} هذا النداء هو الذي قرر حرمة النقص في الدين أو الزيادة فيه؛ إذ هذه الآية الكريمة نزلت في عبد الله بن سلام رضى الله عنه وكان حبرا من أحبار اليهود في المدينة، ودخل في الإسلام عن علم وقناعة، وبشر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة لرؤيا رآها. هذا العالم رأى في بداية إسلامه أن يبقى على تعظيم السبت. وأن يقرأ بشيء من التوراة في صلاته بحجة أن السبت فرضه الله تعالى تعظيما على اليهود، وأن التوراة كلام الله تعالى، وقبل أن يفعل إستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فنزلت هذه الآية تأمر المؤمن أن يدخل في الإسلام بكله، لا يبقى شيئا خارجا عنه حتى ولو كان تعظيم يوم السبت الذي كان تعظيمه شرعا وعبادة قبل الإسلام، أو تحريم لحوم الإبل وألبانها إذ كانت محرمة على اليهود، فرأى بعضهم ممن أسلموا أن يبقوا على ما كانوا عليه من تحريمها. فكانت هذه الآية الكريمة مانعة من كل ذلك ولا يسع المؤمن الحق إلا الدخول في الاستسلام الكامل لله تعالى؛ وذلك بقبول ما شرع وعدم التخير فيه بقبول بعض ورفض بعض. وبعد أن أمر الله عباده المؤمنين بالانقياد الكامل والطاعة التامة لله ورسوله في كل ما حواه الإسلام من الشرائع والأحكام العامة والخاصة، نهى المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان وهى ما يزينه ويحسنه للمرء بنوع من التحسين والتزيين حتى يقع فيه فينقطع عن الله تعالى فيهلك كما هلك الشيطان بكبره وعجبه بنفسه، فقال تعالى:{وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ، وعلل لتحريم عدم اتباع خطواته بقوله:{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} أي بين العداوة ظاهرها لا تخفى على أحد من ذوى العقول الراجحة والفهوم السليمة. وكيف وهو يزين اللواط، والزنا، والربا، وقتل النفس، والحسد، والكبر، والعجب، وعقوق الوالدين، وأذية المسلمين، إلى غير هذا من كبائر الذنوب والفواحش.
اعلم أيها القارئ أن هذا النداء اشتمل على بيان طريق النجاة وطريق الهلاك؛ فطريق النجاة هو الإسلام الكامل لله تعالى، باعتقاد ما أمر باعتقاده، وقول ما أمر بقوله، وفعل ما أمر بفعله، واجتناب ما أمر باجتنابه من ذلك كله اعتقادا أو قولا أو عملا، وطريق الهلاك هو اتباع خطوات الشيطان بتحسين القبيح، وتقبيح الحسن، فإذا أصبح العبد يحب ما يحب الشيطان، ويكره ما يكره فقد التحق به وأصبح من أوليائه، وخسر نفسه وأهله. كما قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} . واذكر ما يحمله قول