للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خان " فجعل خلف الوعد من علامات النفاق، فلذا كان قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ} استفهام معناه التأنيب والتوبيخ ومثل من يعد ولا يفي أي يخلف ما وعد به من يقول فعلت وهو لم يفعل أيضا إذ قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} يحمل معنى لم تقولون فعلنا وأنتم لم تفعلوا كقول الرجل قاتلت ولم يقاتل، وطعنت وهو لم يطعن أو أعطيت وهو لم يعط وقوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ} أي أن قولكم نفعل كذا ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يبغض أشد البغض والعياذ بالله من مقته وبغضه وغضبه.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوص} . فيه إشارة واضحة إلى أن الذين وبخهم بقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} . كانوا قد وعدوا بالجهاد، ثم تخافوا عنه ولم يفوا بما وعدوا. كما يحمل إشارة أخرى إلى الذين انهزموا يوم أحد وفروا من المعركة. ولما كان تعالى يمقت أشد المقت المخلفين للوعد العظيم ذي الأثر الكبير كالوعد بالجهاد ولم يجاهدوا فإنه تعالى يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا متراصا لا فرجة فيه حال الزحف كالبنيان المرصوص أي المتلاصق بعضه ببعض لا فرجة ولا خلل بين أجزائه.

ولنستمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخبر بضحك الله تعالى إلى بعض عباده الصالحين فيقول: " ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل يقوم من الليل والقوم إذا صفوا للصلاة، والقوم إذا صفوا للقتال وكان بعض السلف يكرهون القتال على الخيل ويستحبون القتال على الأرض لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوص} . وكان صاحب هذا الحديث وهو أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني ألتفت في الصف أي صف القتال فجؤوا فى لحى " ١ وهذا عين ما جاء في حرمة تولى المجاهد عن الصف، وخروجه منه لغير سبب يقتضي ذلك إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ


١ أي اضربوا، واطعنوا، يقول العرب: وجأ فلانا يجؤه وحئا ووجاء. ينظر المعجم الوسيط (ص ١٠٢٣) وانظر لسان العرب ١/ ١٨٥.

<<  <   >  >>