ويتجه في أغلب الأحيان - كما جرت عادة الناس - إلى أنصاف الحلول التي ترضي الطرفين المتخاصمين حسب وهمه. والخاسر في حقيقة الأمر هو صاحب الحق. والربح كله للباطل وأصحابه.
ولا يزال أصحاب الباطل ماضين في اتخاذ هذا الأسلوب نفسه جيلًا من بعد جيل، يزحفون ويزحفون، حتى يسدّوا على الناس كل سبيل للحق، أو يفتح الله باباً من أبواب رحمته فيبعث عليهم من ينكّل بهم ويقطع دابر ما يثيرونه من فتن. ولكن الجديد في أمر هؤلاء الدعاة أن شرهم لم يعد مقصوراً في هذه الأيام على الكلام، فقد انتقلوا من مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل بعد أن نجحوا في التسرب إلى الحصون التي تحمي قيمنا، وأصبح كثير منهم في مناصب تمكّنهم من أن يدسّوا برامجهم وخططهم على المسؤولين من رؤسائهم وينفذوها في صمت، ودون أن يثيروا ضجة تلفت إليهم المعارضين.
ولهؤلاء المفسدين عصابة تشد أزرهم وتُشِيد بهم وتنوَّه بذكرهم وتحميهم من خصومهم وتقطع ما يهاجمون به مما ينبه الناس إلى شرهم عن كل وسائل النشر، فلا يصل إلى آذان الناس أو عيونهم شيء منه. وأنا حين أزعم أن هؤلاء الدعاة ينتمون إلى عصابة ذات خطر إنما أعني بالعصابة كل مدلولها وكل حرف من حروفها وكل مفهوم من مفاهيمها.
هذه العصابة قليلة العدد. ولا ترجع قوتها إلى كثرة عددها. ولكنها ترجع إلى تماسك أفرادها وتضامنهم، يساعد بعضهم بعضاً، ويحمىِ كبيرهم الصغير، ويمهد السابق منهم للاحق، ويهيىء له فرص الظهور والترقي، بينما يتخلصون بمختلف الوسائل من الخصوم الذين يعارضونهم والذين يقفون في وجه خططهم. يحدث ذلك كله في الظلام وفي صمت. وقد لا يكون هناك تنظيم واحد معروف بعينه يضم الهدامين ودعاة الشر كلهم جميعاً، ولكن المهم في الأمر أنهم جميعاً، على اختلاف نزعاتهم وعلى تباين ساداتهم وشياطينهم، متعارفون متضامنون. والمتدبر لخططهم وتحركاتهم في إحكامها، وفي تناسقها، وفي وحدة أهدافها، وتشابه أساليبها في كثير من الأحيان، وفيما تستند إليه من