للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حُصُوننَا مُهَدَّدة مِن دَاخِلهَا*

تعددت مصادر الثقافة في عصرنا وتنوعت ألوانها، فلم تعد المدرسة وحدها هي المصنع الذي يُصنَع فيه الرجال وتصاغ الأجيال. فقد أصبح ينافسها في هذا الميدان كثير من القوى الجديدة التي ولدتها المدينة الحديثة، ينافسها في ذلك المطبعة بما تخرجه من كتب ومن صحف ومن نشرات، وتنافسها فيه الإِذاعة بما توجهه من كلمات وألحان في مختلف الصور والألوان، وتنافسها فيه السينما بما تجسمه لوحتها الخداعة من حكايات وما تَعْرِضه من فنون وشؤون، وتنافسها ألوان أُخرى أقل أهمية، مثل المحاضرات والندوات والمسامرات والمؤتمرات، التي تعقد في الأندية وفي المواسم بمختلف صورها وفي الجماعات، ومثل شركات تسجيل الأغاني، ودور اللهو والتمثيل.

كل هذه الألوان من مصادر الثقافة في عصرنا تبين أن وزارة التربية والتعليم لم تعد وحدها في هذا الميدان، وأنها لا تستطيع أن تنهض بعبئها ما لم تجد عوناً يشد أزرها من كل هذه الأدوات الضخمة. ومن العبث الساخر والجهد الضائع أن تنفق هذه الوزارة ما تنفقه من جهد ومن مال بينما الأدوات الأُخرى تتعقب جهودها وآثارها، تنقض ما أبرمته، وتشكك فيما قررته، وتدعو إلى ما حذرت منه وحرّمته، وتقيم للناس مُثُلاً وتبتدع لهم طرائق وعادات مما تقترحه أو تختلقه، هي على نقيض ما تريد المدارس أن تزرعه وأن تؤسسه في أخلاق النشء، وتصرف القراء عن الجد من القول إلى الهزل،


(*) نشرت في عدد ربيع الأول وربيع الثاني سنة ١٣٧٧ من مجلة الأزهر.

<<  <   >  >>