للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الجِنسُ الثَّالِث*

أحسن ما قرأته في وصف النساء المترجِّلات، اللاتي يأبين إلَّا الخروج على فطرتهن، والزجَّ بأنفسهن في ميادين الرجال، تسميةُ أحد كتاب الإِنجليز لهن "الجنس الثالث". فالواقع أن هذه التسمية وصف صادق كل الصدق لهذه الطبقة الجديدة من النساء التي برزت مشكلتها في المجتمع الأوروبي منذ أواخر القرن الميلادي الماضي، بعد أن تكاثر عددها فيه وطغى سيلها. ذلك لأنهن قد فقدن أنوثتهن فلم يعدن نساء، وابتذلن أجسادهن وأرْخَضْن مفاتهن حتى عافها الرجال وانصرفوا عنها. ثم إن فطرتهن وخلقتهن تأبى عليهن من بعدُ أن يَدْخلن في عِدَاد الرجال. من أجل ذلك سماهن ذلك الكاتب الإنجليزي الحصيف "الجنس الثالث"، بعد أن أخرجن أنفسهن من عداد النساء واستحال عليهن أن يدخلن في عداد الرجال، فهن يخالفن الرجال طبيعة وتركيباً، ويخالفن النساء وظائف وأعمالاً. "وقد درس هذا الأستاذ أحوالهن درساً مدققاً فوجد أنهن يتركن الزواج. وبانتزاعهن أنفسهن من وظائفهن الطبيعية كالأمومة وما يتبعها قد تغيرت إحساساتهن عن إحساسات بنات جنسهن، وصرن في حالة من الكآبة تشبه أعراض الماليخوليا" (١).

أساءت المرأة إلى نفسها وأساء إليها الذين ظاهروها وأعانوها ممن يزعمون أنهم أنصارها. فقد كانت ريحانة تشَمّ، فأصبحت مشكلًا يتطلب الحل، وكانت عِرْضاً يصان وأمانة تحفظ، فأصبحت حملاً ثقيلا يضيق به الأب


(*) نشرت في عدد جمادي الآخرة سنة ١٣٧٧ من مجلة الأزهر.
(١) "تربيهَ المرأة" للاقتصادي المشهور مُحَمَّدْ طلعت حرب ص ٢٨ ط مصر ١٣١٧ هـ (١٨٩٩ م).

<<  <   >  >>