الحمد لله وحده، هو الحميد المجيد، منه العون وبه التوفيق. اللهم اهدنا سبلنا، وألهمنا رشدنا، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
وبعد
فهذه كلمات كنت قد نشرتها في مجلة "الأزهر" خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة (١٣٧٦، ٧٧، ٧٨). وكان أكثرها تحت عنوان "حصوننا مهددة من داخلها"، جمعتها في هذه الصفحات مرتبة بحسب تاريخ نشرها. ولم أتناولها بتغيير أو تبديل، إلّا ما يكون مما لا بد أن يعنَّ لكل كاتب إذا أعاد النظر فيما كتب، وهو من أمارات نقص الإِنسان وعجزه وقصور فكره.
وقد كان الذي دعاني إلى كتابة هذه السلسلة من المقالات أني رأيت الِإلحاد والانحلال في هذه الأيام يشتعل ويسري سريان النار في يابس الحطب، ورأيت دعاته يستفحل أمرهم في كل مكان، ورأيت الناس مشغولين بالجدل والنقاش حول ما يثيرونه من موضوعات يسترون مآربهم الهدَّامة من ورائها تحت أسماء خلاَّبة برَّاقة، كالنهضة، والتحرر، والتطور، ومتابعة ركب الحياة، وهي موضوعات منوعة تشمل الحياة في شتى نواحيها، يخترعونها ثم يهولون من شأنها ويكثرون من الأخذ والرد حولها حتى يلفتوا إليها أنظار الناس، وحتى ينشأ جيل جديد مرنت أذنه منذ وعى على سماع المناقشات حول هذه الموضوعات, فيتوهم أنها مشكلات حقيقية لا بد لها من حل،