للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

-١ -

في البُحوثِ والمحاضَراتِ*

جامعة الدول العربية حصن من أكبر الحصون التي تسهر على حراسة حقيقة من أخطر حقائق وطنيتنا وهىِ "العروبة"، ومن الفيد - رغم تغير الظروف الآن - أن نتذكر أن هذه الجامعة قد أُنشئت أول ما أُنشئت بتشجيع دولة من أكبر دول الاستعباد الغربي - وهي إنجلترا - لأنها كانت تطمع وقتذاك في أن تجعل هذه المؤسسة تحت رقابتها ووصايتها، فتكون وسيلتها إلى السيطرة على العرب جملة، وبذلك تتحكم في التيار الجديد فترسم له المصارف والمجاري وتوجهه إلى حيث تريد، قبل أن يطَغى سيلُه فيحطم السدود ويجرفها ويجرف معها كل دول الاستعباد الغربي ويمحو كل أثر من آثاره. قدَّر الإِنجليز ودبروا ورسموا وخططوا, ولكن التيار كان أقوى من كل ما يدبرون. وأخذ سيل هذه القومية الجاري يشق لنفسه الطريق بعيداً عن الطرق التي رُسِمَت له من قبل بأيد غير أيدي أبنائه، وأصبحت القومية العربية حقيقة واقعة ولم تعد حلمًا ولا أملًا. أصبحت حقيقة تعترف بها حكومتا مصر وسوريا في دستور كلٍّ من البلدين، وها هو ذا تيارها يجري إلى مستقره بأسرع مما كان يحلم أكثر الناس تفاؤلاً. وهي بعد ذلك حقيقة واقعة مقررة عند الشعوب العربية كلها على اختلافها وعلى اختلاف ميول حكامها. وهذا التطور الجديد يزيد جامعة الدول العربية أهمية، ويجعلها الآن أهم مما كانت في أي وقت مضى منذ ظهرت للمرة الأولى في أعقاب الحرب العالمية الثانية. لذلك كان من المهم أن نستوثق


(*) نشرت في عددي شعبان ورمضان ١٣٧٧ من مجلة الأزهر.

<<  <   >  >>