من أن هذه المؤسسة قد تخلصت من كل آثار ماضيها. وأصبحت تعمل بغير العقل الذي كانت تعمل به يوم كان الاستعباد الغربي من ورائها، ومن وراء أصدقائه فيها.
وليس من شأني الآن، وليس من شأن هذه المجلة التي أكتب لها، أن أتناول الجانب السياسي من جامعة الدول العربية، ولكن الذي يعنيني الآن هو الجانب الثقافي، وهو جانب شديد الاتصال بالسياسة على غير ما قد يبدو للخاطر الأول، بل هو أخطر أثراً في التوجيه السياسي, لأن آثاره أعلق بالنفس، وهي لذلك أدوم في الجيل المعاصر وأبقى في الأجيال التالية، ولأنه يعمل في خفاء قد يبعده عن أعين الرقباء من رجال السياسة الذين قد لا يُولُونه من الاهتمام القدر الذي يستحقه، وقد لا يتنبهون إلى أن من الممكن دائمًا تمييز سماسرة الاستعباد على اختلاف ألوانهم ونزعاتهم من لون الثقافات التي يروِّجونها والتي يدعون إليها، فهي العملة التي يمكن أن يُستَدَل منها على المموِّل، والخاتم الذي يحمل اسم المصنع.
وسوف أتناول في حديثي هذا اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية كما تبدو من مطبوعاتها الوافرة الغزيرة، وهي اللجنة التي كان يشرف عليها أحمد أمين، ثم ورثها طه حسين بعد وفاته، وسأقسم منشوراتها إلى ثلاثة أقسام:
١ - البحوث والمحاضرات.
٢ - الكتب المترجمة.
٣ - المؤتمرات.
وأنا أعجِّل بتقديم النتيجة التي انتهيت إليها من بحث أعمال هذه اللجنة الثقافية ليضعها القارئ نصب عينيه على طول هذا المقال. هذه اللجنة كانت - ولا تزال - تنظر بغير عين العرب وتعمل بغير عقل العرب، وتهدف إلى غير أهداف العرب. إنها لا تزال كما كانت يوم أنشأها الذين كانوا يحرصون على أن يكون العرب ذيلًا لدول الاستعباد الغربي، لا يرون الأشياء إلا كما يراها الغربي، ولا يتذوقونها إلا كما يتذوقها, ولا يقدِّرونها إلا كما