يقدرها، إنها لا تزال تعمل على ما يسميه دهاقنة الاستعباد الغربي (Westernization) أي (التغريب). ويُقصَد به طبع العرب والمسلمين والشرقيين عامة بطابع الحضارة الغربية والثقافة الغربية، مما يساعد على إيجاد روابط من الود والتفاهم بين الحمار وراكبه، وهي روابط تفيد الراكب دائمًا ولا تفيد الحمار! وذلك هو ما تهدف إليه كل الجماعات التي من نوع (أصدقاء الشرق الأوسط) الآن، أو (الصداقة الانجليزية المصرية) و (الصداقة الفرنسية) سابقاً. وهذا الذي يسميه الاستعباد الغربي (تغريباً) هو ما يسميه سماسرة ذلك الاستعباد وصنائعه (تطويراً). وهو ما يعنونه حين يتكلمون عن (بناء المجتمع من جديد). فالذين يتكلمون عن بناء المجتمع من جديد، أو بناء المجتمع الجديد، يعرفون أن مشروعهم هذا يشتمل على خطوتين: الخطوة الأولى هي هدم (القديم) والخطوة الثانية هي بناء ما يتوهمونه من (الجديد). وهم ماضون في الهدم، لا يرضيهم إلا أن يأتوا علي بنياننا من القواعد، بما يتضمنه من دين وتقاليد وفنون وآداب، ولكنهم سوف يعجزون عن البناء، سيهدمون مجتمعنا ثم يتركونه وسط أنقاض نظامه القديم في فوضى لا سكن فيها ولا قرار. وبوادرُ هذه الفوضى وأعراضها ظاهرة لكل ذي عينين. ذلك لأن المجتمعات لا تبنى في يوم وليلة، ولكنها تبنى في مئات السنين، ولا تبنى في صحف مُنَشَّرة أو قاعات مُغَلَّقة، ولكنها عملية معقدة أشد التعقيد تتفاعل فيها قوى المجتمع كله، ويستمر هذا التفاعل أجيالًا تتمخض عن هذه القواعد وهذه الأشكال، بما تتضمنه من التقاليد والقوانين وأساليب الذوق والتفكير.
ولأكتف بهذا القدر الآن لأشرك القارىء معي في استعراض نماذج من نشاط هذه اللجنة الثقافية، ولنبدأ بالقسم الأول، الذي يتمثل في البحوث والمحاضرات. وليس من المستطاع في هذا المقال المحدود أن أعرض هذا النشاط في جمل مطبوعاته، ولذلك سأكتفي بتقديم نموذج منه في واحد من كتبه، وليكن هذا الكتاب هو الجزء الثاني من (العالم العربي - مقالات وبحوث) الذي نشرته الادارة الثقافية سنة ١٩٥٣ مصدراً بمقدمة لأحمد أمين رئيس هذه الإدارة وقتذاك. وسأكتفي - على سبيل المثال، ورغبة في الاختصار - من هذا