القروية أو البدوية شيء والمجتمع المختلط شيء آخر. وكل الناس يعرفون أن الزي الذي رسمه الإِسلام للنساء من إطالة الثياب وتوسيعها، إلى تغطية الرأس بالخمار. والضرب بفضوله على الصدر، لا يتوافر في امرأة كما يتوافر في القروية والبدوية. ومن المعروف كذلك أن السفور في هذه البيئات لا يتجاوز معاونة المرأة لزوجها في بعض الأعمال، وهي معاونة محدودة فيما تستطيعه، مثل نقل الحطب أو جني الثمار أو القيام على الدواب أو نقل بعض المتاع والغذاء. على أنها لا تفعل شيئاً من ذلك إلَّا بدافع الفقر والحاجة. أما السَّراة فنساؤهن مصونات في البيوت. لذلك كان الشاعر العربي إذا وصف المرأة الكريمة قال إنها (نَؤُوم الضُّحى). على أن التي يلجئها الفقر إلى الخروج لا تخاطب الغرباء إلَّا بقدر ما تدعو إليه الحاجة الماسة الضرورية. وهي تضع طرف خمارها بين يدها وبين يد الرجل أذا سلمت عليه. ومن المؤكد على كل حال أنها لا تجالس الرجال في أسمارهم أو عقودهم، بل ولا تشارك أهل بيتها من الرجال على المائدة في بعض الأحيان. فأين ذلك كله من المجتمع المختلط؟
ومن هذه المزاعم كذلك ما يروِّجونه من أن الأخطاء التي نشاهدها الآن من آثار الاختلاط سوف تزول كما زالت في الغرب حسب زعمهم. وواقع الأمر أن الأخطاء لم تزل في الغرب، ولكن حياء الغربيين والغربيات هو الذي زال. ونحن ناس خلق ديننا الحياء، والحياء خيرٌ كلُّه كما قال سيدنا رسول الله. إن الذي يدمن الحياة بين نَتَنِ الِجيَف وَعفَنِ الأقذار يفقد الإِحساس بالنتن والعفن، ولكن هذا لا يعني أن النتن قد زال.
ومن أعجب ما يلجأ إليه دعاة الاختلاط في بعض دعاياتهم أنهم يعارضون الإِسلام بما جرى عليه العُرْف عند بعض البائدين كالفراعنة، أو بمذاهب بعض الدراسات الاجتماعية والنفسية الحديثة. ومعارضةُ الإِسلام بهذه أو بتلك لا تصدر إلَّا من جاحد بالله ورسالاته وكتبه, لأن الفرعونية ليست ديناً وليست مذهباً خلقياً، ولكنها عصر تاريخي قد يكون فاسداً وقد يكون ضالًا وقد يكون كافراً بالله. وقد قطع الإِسلام ما بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين أبيه، وقطع ما بين نوح عليه السلام وبين ابنه، وبين