بتخطيها. لأن المسألة في لبها وفي صميمها هي: ما هي وظيفة المرأة؟ ولأن التشريع إنما يوضع دائمًا للأعم الأغلب، ثم ينفذ على كل الناس بلا استثناء.
ومن مغالطاتهم كذلك أنهم يعتذرون بأن نزول المرأة إلى ميدن الأعمال العامة قد أصبح أمراً واقعاً وقاعدة مقررة. وينبغي لهم أن يعرفوا أن الحق واحد لا يتغير. ومهما يتقادم العهد على الباطل فسيظل باطلاً. ومهما يجر العمل على غير الحق فسيظل الحق هو هو وإن حاد عنه كل الناس. ثم إنه لا يبقى على توالي الأزمان إلا الحق. لأن الباطل زهوق لا تدوم له دولة. والحق هو الناموس. هو قانون الله الذي لا يتبدل، هو فطرة الله التي فطر عليها الخلق. هو ما ركَّبه الله سبحانه في طبائع الأشياء حين أعطى كل شيء خلقه ثم هَدَى، وناموس الله ثابت لا يتبدل {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}. ولكن الذي يحول ويزول هو المعاند لسنة الله وفطرتهَ. والذي يعارض الناموس ويخرج على الفطرة كالوعل الأحمق الذي وصفه الأعشى قديماً حين قال:
كناطحٍ صخرةً يوماً ليُوهِنَها ... فلم يَضِرْها وأوهَى قرْنَه الوعلُ
إن الأرض لا تستطيع أن تخرج على ما رُسِم لها من مدار، والليل لا يسبق النهار، وكل كوكب يدور في فلكه، وكل كائن يسير فيما رسم له من منهج ومن طريق. والفطرة التي فطر الله عليها كل واحد من خلقه فأعطاه خلقاً خاصاً وأقامه فيما أراد، هي جزء من الناموس. وهي بعض إرادة الله سبحانه. والأمانة التي يحملها كل واحد من خلق الله هي أن يبذل قصارى. جهده في أداء الوظيفة التي أقامه الله فيها. وليس في شيء في خلق الله إلا هو منقاد لإِرادة الله سبحانه وتعالى مسلم لها، يسبِّح خالقه بأداء الدور الذي رُسم له في استسلامٍ لإِرادته، تجد ذلك في النحل وفي النمل وفي الحيوان كله وجب النبات بضروبه والدواب بأنواعها، وفي الكواكب والأجرام وفي مختلف الظواهر. ولا يشذ عن ذلك إلا الانسان الذي ميّزه الله عن سائر خلقه بالعقل، فحمل بذلك أمانة لا يحملها أحد من سائر خلقه، فهو إن استخدم هذا العقل في طاعة الله بلغ به عملُه حداً لا يبلغه شيء من خَلْق الله، وإن شرد به عقله في غير سبيل الله ضل وهوى إلى قرار سحيق. والله سبحانه هو المسؤول أن يهدينا إلى أقوم طريق.