للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نلحقه بما يحل محل الكلام في الفصل الذي قبل هذا، لأجل اختصاص النهي فيه بجلوس الإِمام كالصلاة. فالتخطي لغير فرجة بين يديه منهي عنه على الإطلاق لما فيه من الأضرار. وأما التخطي لفرجة فيباح قبل جلوس الإِمام وينهى عنه بعد جلوسه. قال مالك: إنما ينهى عن ذلك إذا خرج الإِمام وجلس على المنبر، فأما قبل ذلك فلا بأس إذا كان بين يديه فرج. قال بعض أصحابنا إذا جلس الإِمام فقد أبطل الداخل حقه في التخطي إلى الفرج، لأجل تأخره عن وقت وجوب السعي. وذكر مالك في موطئه عن أبي هريرة: لأن يصلي أحدكم بظهر الحرة خير له من أن يقعد حتى إذا قام الإِمام يخطب جاء يتخطى رقاب الناس (١). قال بعضهم معناه أن الماثم عنده في تخطي رقاب الناس أكثر من الماثم في التخلف عن الجمعة. وقالت الشافعية يكره لمن دخل المسجد وقد ازدحم الناس أن يتخطى رقاب الناس وليصل حيث انتهى به المجلس إلا أن يجد موضعًا يصلي فيه فلا يكره له التخطي. وكذلك إذا كانت فرجة ولا يحتاج في الوصول إليها إلا أن يتخطى الواحد والاثنين فيجوز ذلك. فإن كانوا أكثر كره له، وكان قتادة يقول يتخطاهم إلى مجلسه.

والأوزاعي يقول يتخاطاهم إلى السعة. وقال أبو بصرة يجوز أن يتخطاهم بإذنهم. وقد قدمنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: إجلس نقد آنيت وآذيت (٢). وهذا الحديث قد تضمن الإشارة إلى معنى الأذى بالتخطي ونحن قد منعنا الأذى على الجملة.

وقالت الشافعية لا معنى لتفرقتكم (٣) بين خروج الإِمام وقبل خروجه في إباحة التخطي إلى الفُرج (٤)؛ لأن المنع إذا رجع للأذى لم يعتبر فيه خروج الإِمام.

وقد قدمنا ما أشار إليه من أصحابنا من الانفصال. فإنه قد أبطل حقه في التخطي لتأخره عن وقت وجوب السعي.

قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله: ثم يقام لها عند الفراغ من الخطبة


(١) رواه مالك في الموطإ عن أبي هريرة. الموطأ ص ٨٩.
(٢) تقدم تخريجه قريبا.
(٣) تفرقتهم -و-.
(٤) للفرج - قل.

<<  <  ج: ص:  >  >>