ذكر في هذا الكتاب في المدوّنة في بعض أحكام الصُّبر. وقد كنّا نحن قدّمنا الكلام على أصول من أحكامها في كتاب السلم. فاعلم أنّ بيع الصّبرة يكون على أنحاء، منها:
أن تباع الصبرة المرئيّة المشاهدة بجملتها على غير الكيل. وقد تقدّم الكلام على ذلك، وذكرنا جوازه، لأجل أنّ الغرر في القمح وأمثاله مِمّا في معناه من مكيل أو موزون للعلم بالمبلغ لا عين آحاده، والعلم بمبلغه مِمّا يتعذّر الوقوف على حقيقته، لكنّه لمّا تقدّر ذلك عدل فيه إلى الظّنّ.
ومنها أن تباع الصبرة على أنّ كلّ قفيز بدرهم، فهذا أيضًا يجوز، وإن كان الوقوف على منتهى الثّمن لا يعلم، لكنّ العلم به مستند إلى تجميل هذا التّفصيل من الأقفزة فيعلم من ذلك مبلغ الثّمن ومنها أن يباع جزء من الصّبرة، كربعها أو ثلثها، فيجوز ذلك؛ لأنّ جزءها إذا سمّي يشبه منها حدس على مبلغه كما يحدس على مبلغ جميعها (١).
ومنها أن يقول: أبيعك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم. فإنّ هذا قد منع من أصحاب الشّافعي، ورأى أن "مِن" ها هنا يقتضي التّبعيض، فكأن المراد: أبيعك بعض هذه الصبرة على أنّ كلّ قفيز من هذا البعض بدرهم، والبعض غير معلوم مقداره، لا يقينًا ولا تخمينًا، فوجب المنع، كما نمنع نحن كراء الدّار مشاهرة لكون المبلغ غير معلوم وهذا الّذي قالوه في الصّبرة صحيح إن كان مراد المتعاقدين بلفظة "مِنْ" ها هنا التّبعيض. وأمّا إن كان المراد بها بيان الجنس،