للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصد أنّي أبيعك هذه الصّبرة كلّ قفيز بدرهم، فإنّ ذلك غير ممنوع كما قدّمنا.

ومنها أن يقول أنا أبيعك هذه الصّبرة كلّ قفيز بدرهم على أنّي أزيدك قفيزا من قمح رأياه وشاهداه، فإنّ هذا اختلف فيه أصحاب الشّافعي. فمنهم من منع من هذا البيع لِمَا تضمّنه عنده من الجهالة من كون التّقدير أنّي أبيعك قفيزا بدرهم ومعه شيء لا يدري مبلغه، لكون القفيز المتوسط زيادته تتقسط على سائر الأقفزة المكيلة من الصّبرة. وإذا وجب تقسيطه على ذلك، فكأنّ البائع قال: أبيعك كلّ قفيز من هذه الصّبرة ومعه شيء من القفيز المشترط زيادته، ومقدار هذه الزّيادة على كلّ قفيز لا يعلم، وإذا كان المبيع غير معلوم لم يصحّ العقد. ومن أصحاب الشّافعي من أجاز ذلك، ورأى أنّ الصّبرة إنّما جاز العقد عليها لكون ما فيها من الأقفزة، وإن لم يعلم مبلغه فإنّه مظنون، وإذا قام الظّنّ ها هنا مقام العلم، فلو علمت الأقفزة وعددها لتُصوِّر العلم بقدر ما يزاد على كلّ قفيز من أقفزة الصّبرة من هذا القفيز المشترط زيادته عليها.

واتّفق أصحاب الشّافعي على أنّه لو قال: أبيعك هذه الصّبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أنقص منها قفيزا، أنّ ذلك جائز (١)، لكون هذا الاشتراط يؤدّي إلى جهالة.

واعلم أنّا كنّا قدمنا أنّ المذهب عندنا على قولين في جواز العقد على صبرة من قمح ومعها مكيل من الطّعام من جنسها أو من غير جنسها أو معها ثوب أو عبد. فقيل بالمنع من ذلك, لأنّ جواز بيع الصّبرة كالرّخصة، والرّخصة لا يتعدّى بها بابها. وإذا أضفنا إلى الصّبرة وهي مجهولة المقدار مقدارًا معلومًا، غيّرنا الرّخصة، وربّما تعدّينا مرتبة الغرر الّذي سامح به الشّرع، لكون هذا المعلوم قد يؤثّر زيادة رغبة في الصّبرة، وقوّة فيما ضمّن فيها من المكيل، أو يحدث ضعفًا في ذلك.


(١) هكذا في النسختين. ولعل الصواب: غير جائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>