هذا الفصل يشتمل على بيان ما يحيى من الذّريعة في بياعات الآجال إذا تصوّر فيها التّعامل على دين بدين. وذلك مثل أن يبيع رجل من رجل ثوبًا بعشرة دنانير إلى شهر، ثمّ يشتري منه ذلك الثّوب بسلعة مضمونة عليه إلى شهر أو أكثر منه. فإنّ هذا يمنع لأنّه يتصوّر فيه الدّين بالدّين. وذلك أنّ الثّوب الّذي باعه ثمّ ارتجعه، قد قدّمنا مرارًا أنّه يعدّ أنه ملغى كأنّه لم يقع فيه بيع. وإذا عددناه كذلك، فقد حصل من أمرهما أنّ ذمّة المشتري عمرت بعشرة دنانير إلى أجل وعوّضها السلعة المضمونة إلى أجل الآخر.
فيكون ذلك سَلَمًا شرط فيه تأخير رأس المال إلى أجل بعيد. وذلك أنّ السلعة المضمونة في الذّمّة إلى أجل مثل آجال السلم صار ثمنها العشرة دنانير المؤجّلة شهرًا. فمنع ذلك لكونه ديْنًا بديْن. ولو كان الثّوب لمّا بيع بالعشرة دنانير كان أجلها يومين أو ثلاثة، جاز شراء الثّوب المبيع أوّلًا بسلعة مضمونة إلى أجل, لأنّ ثمنها وهو العشرة دنانير إنّما يتأخّرون به يومين أو ثلاثة، وتأخير رأس مال السلم هذا المقدار غير ممنوع كما قدّمناه في كتاب السلم. لكن لو اشترى هذا الثّوب الّذي باعه أوّلًا بعشرة دنانير إلى أجل بثوبين أو ثلاثة من جنسه مضمونة إلى أجل، فإنّ هذا ممّا تردّد فيه الشيخ أبو إسحاق، هل يجوز إذا كان أجل الدّنانير يحلّ بعد يومين أو ثلاثة لكون الثّياب المضمونة صارت سلفًا تأخّر رأس ماله وهو العشرة دنانير اليومين والثّلاثة، أو يمنع ذلك أخذا في هذا العقد بظاهر مقتضى العقد الثّاني، ومقتضاه أنّه اشترى ثوبًا بثوبين من جنسه إلى أجل، وسلَم ثوبٍ في ثوبين من جنسه لا يجوز بمقتضى بياعات الآجال. وكون الثّوب المبيع المرتجع كأنّه لم يبع يقتضي الجواز بشرط أن يكون رأس المال لا يتأخّر أجلًا بعيدًا. أو يعرض في هذه