للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: التكفين عندنا واجب. وقد اشتهر في الشرع العمل به، ومضى المسلمون عليه. ولأن ستر العورة واجب في حق الحي. وحرمة الميت كحرمة الحي. فإذا لم يمكنه سترها سترناها نحن. وإذا ثبت وجوبه فإنه يقدم على حق الوارث وعلى حق الغريم أيضًا. قال مالك في المختصر وغيره: والكفن والحنوط من رأس المال. قال والرّهن أولى من الكفن والكفن أولى من الدين. قال طاوس في مؤنة الميت إن كان له مال كثير، فمن رأس ماله. وإن كان قليلًا فمن ثلثه. قال .. (١). الدليل على أن الكفن من رأس المال أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرة فكفن فيها (٢).

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي وقص به بعيره: كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما (٣) ولم يسأل عن قلته (٤). وقياسًا على المفلس الحيّ فإنه تقدم كسوته على ديونه.

وقال المخالف ما زاد على ستر العورة ليس بواجب. فكان من الثلث. ينتقض بالحي. وأما تقدمة حق المرتهن فلأن الميت، وإن تعلق له حق بأن يكفن من ماله، فإن ما رهنه من ثيابه قد تعلق به حق المرتهن قبل تعلق حق الميت بالتكفين. ورضي الراهن بإسقاط حقه فيما رهنه حتى يفتكه. فلهذا قدّم المرتهن. وأما تقدمة الكفن على الغريم فلأن الحي إذا فُلّس لم يكن للغرماء نزع ثيابه عنه التي لا بدّ له منها. فإذا كان من حقه بقاء لباسه في حال الحياة، وإن أفلس فكذلك في حال الموت.

فإذا ثبت وجوب التكفين فهل يتكرر وجوبه إذا تكررت الحاجة إليه بأن ينبش فيسرق كفنه؟ فاختلف في ذلك. فقال مالك في المبسوط يتجدد له كفن.

وقال ابن القاسم في العتبية على ورثته أن يكفنوه من بقية تركته. فإن كان عليه


(١) هو بمقدار سطر.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي من حديث خباب بن الأرت. الهداية ج ٤ ص ٣١٤.
(٣) رواه البخاري. فتح الباري ج ٣ ص ٣٧٩ - ٣٨١. ورواه مسلم. إكمال الإكمال ج ٣ ص ٣١٩ - ٣٢٠.
(٤) هكذا ولعل الصواب تركته.

<<  <  ج: ص:  >  >>