تحرير رقبته، والعبد على التخلص من أسر الرق، فبعُد ها هنا تصور المكايسة من السيد وعبده. وإذا كان القصد الرفق والمعروف تغيرت الأحكام في العقود، كالعرايا التي رخصت فيها، واستثنيت من الأصل المحرم لما كان القصد فيه الإحسان والمعروف، على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله.
وأما لو باع نجمًا واحدًا من الطعام وبقي العبد مطلوبًا ببقية النجوم فإن في هذا اختلافًا: هل يمنع لفقد الدلالة على أنهما لم يقصدا المكايسة أو يجوز لكون الكتابة ليست بدين ثابت فيصير في ذمة المكاتب، على ما سيرد بيانه في كتاب المكاتب إن شاء الله.
ويلحق بما نحن فيه من تفصيل حال المالك تفصيل حال المالكين فإنه قد منع في كتاب الصلاة من المدونة أن يشتري المسلم من النصراني طعامًا اشتراه النصراني وأراد بيعه قبل قبضه، ورأى أن قوله عليه السلام "من ابتاع طعامًا ... " الحديث، يخاطب به النصراني، كما يخاطب به المسلم، بناء على القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومعاقبون في الآخرة على معصية الأوامر التي توجهت على المسلمين، وتوجهت عليهم ولكن بشرط أن يقدموا الإيمان. وإذا كان النصراني عاصيًا في هذا الفصل لم ينبغ لمسلم أن يعينه على معصية، فلهذا نهى مالك رضي الله عنه أن يشتري من النصراني طعامًا لم يقبضه.
وقد عورض هذا بأن أم الولد النصراني إذا أسلمت بيعت عليه، مع كونه مخاطبًا بأن لا يبيع أم ولده على هذه الطريقة، وإذا بيعت عليه فقد أعين على معصية في أخذ ثمنها.
وقد يعتذر عن هذا بأن بقاءها في ملكه محرم أيضًا فعدل عنه إلى ما هو أخف منه وهو بيعها لأجل الضرورة الداعية، ولا ضرورة بالمسلم في شراء طعام من نصراني لم يقبضه. ولعلنا أن نبسط الكلام في بيعها إذا أسلمت في موضعه إن شاء الله تعالى.