للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنها تنطلق على الزيادة فيما يقابله بحكم العرف، ويكون من الأسماء العرفية، كالصلاة التي هي في اللغة موضوعة للدعاء، وهي في الشرع كناية عن الصلاة المعهودة التي فيها ركوع وسجود (١) ابن داود في أن أصلها في اللغة هو الزيادة في أصل الشيء، وأقرب للطرق بعد ذلك فاعتقد ابن داود في أن تسمية الزيادة فيما يقابل الشيء ربا مجازٌ. واعتقد ابن سريج أن هذا من الأسماء العرفية في الشرع. ونحن قد كشفنا في كتابنا في الأصول المترجم بالمحمول من برهان الأصول على حقيقة هذا المذهب في تسمية الركوع والسجود صلاة وبيناه هنالك بيانًا شافيًا.

ومال آخرون إلى انطلاق التسمية على الزيادة في نفس الشيء وفيما يقابله انطلاقًا متساويًا. ويحتج هؤلاء بعموم قوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (٢) وربا عوض الصدقة من الأجور ليس هو نفس الصدقة بل هو زيادة فيما يقابلها، وما هو كالعوض عنها. واحتجوا بما وقع في الحديث من قوله عليه السلام للذي باع صاع بر بصاعين: عين الربا (٣). فنصَّ على أن الزيادة فيما يقابل الشيء عين الربا.

وثمرة هذا الاختلاف أن ابن داود نفى الربا عما سوى هذه المذكورات في الحديث من العين والطعام، واحتججنا عليه بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٤) أجاب بأن الربا المذكور في القرآن ربا الجاهلية، وهو كالزيادة في نفس الشيء، لأنهما إذا حل عليهما المطالبة بعين، فقال الطالب: تقضي أو تربي بمعنى تزيد بمقدار ما في ذمتك، صار هذا كالزيادة في نفس الشيء. وقد ذهبت طائفة إلى حمل هذه الآية على ربا الجاهلية، وجعلت الألف والسلام في قوله تعالى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} للعهد، لأن الجاهلية قالت: إذا حل لنا البيع الأول حل لنا


(١) كلمة غير واضحة في جميع النسخ.
(٢) سورة البقرة، الآية ٢٧٦.
(٣) فتح الباري: كتاب الوكالة، ٦/ ٣٩٦.
(٤) البقرة: ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>