للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الأحاديث (١) فقد غلظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعضها فقال: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" (٢) فعم باللعنة فاعله ومن أعان عليه بكتبة أو شهادة، وقال: "لا تبيعوا الذهب إلا مثلًا بمثل ... " (٣) الحديث الوارد من طرق كثيرة وبألفاظ مختلفة.

وأما الإجماع فإنه انعقد على تحريم الربا في النسيئة. وإن كان ربا النقد فيه خلاف سنذكره. والمعاملة بالربا في النسيئة أكثر تكرارًا لمسيس الحاجة إلى المعاملة نسيئة بزيادة، فلهذا لم يقع فيها اختلاف، وفي كون الآية في البقرة مراد بها ربا النسيئة بدليل قوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (٤) وأشعر هذا بأنه ربا في الذمة. وقد تقدم الكلام على هذا وما فيه من الخلاف مبسوطًا مبينًا بيانًا شافيًا.

والجواب عن السؤال الرابع أن يقال:

قال الله سبحانه: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (٥) وقال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٦) فمن الناس من ذهب إلى أن جميع البياعات الممنوعة في الشرع غير خارجة عن هاتين الآيتين. وهذا المذهب يحسن إذا قيل: إن الربا تسمية لكل عقد محرم.

أو قيل: إنه تسمية لبيع وقعت فيه زيادة في أحد العوضين. وقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٦) يشتمل على بيع الغرر وما في معناه لأنه من إضاعة المال.

واختلف الناس في ربا الفضل في النقد: فالمشهور المعروف عن جمهور الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم المنع منه على الجملة التي نفصلها فيما بعد


(١) كلمة غير واضحة في جميع النسخ، ولعلها: الكثيرة.
(٢) أبو داود: اختصار المنذري، ٥/ ٩ حد ٣١٩٣.
(٣) الموطأ: ٢/ ١٥٧ حد: ١٨٤٥.
(٤) سورة البقرة: الآية ٢٧٨.
(٥) آل عمران: ١٣٠.
(٦) النساء: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>