على أن يسلف ليخسر، وإنّما يتّهم أن يسلف ليربح. لكن تتطرّق التّهمة هنا من جهة أخرى وهي ضمان بعوض، فإذا باع السلعة بعشرة ثياب إلى شهر ثمّ اشتراها بخمسة عشر ثوبًا، فقد تطرّقت التّهمة إليهما في أن يكون أسلفه عشرة ثياب وأعطاه خمسة ثياب معها ليضمن له العشرة إلى أجل، وكذلك إذا اشتراها بأقلّ إلى أبعد من الأجل، يتصوّر أيضًا أَن يكون المشتري الأوّل لمّا حلّ الأجل دفع خمسة عشر ثوبًا ليأخذ بعد شهرين عشرة ثياب وتكون الخمسة عوض ضمان العشرة. ولكن التحيّل على ضمان بِجُعْل لا تقوى التّهمة فيه كما تقوى التّهمة على التحيّل على سلف بزيادة. لكن قدّمنا في كتاب السلم، لمّا تكلّمنا على ربا النساء في العروض، اختلاف النّاس فيه، وما وقع في المذهب عندنا من اضطراب فيه، هل يمنع التفاضل في العروض إذا بيعت نسيئة بجنسها لأجل أنّه ربا، والرّبا محرّم في نفسه، وإنّما منع حماية للذريعة لئلاّ يقصد من أسلم ثوبًا في ثوبين من جنسه إلى السلف بزيادة. فمن سلك من أصحابنا طريقة من يرى أنّ التّفاضل في العروض إذا بيعت نسيئة ربا، كالرّبا في العين، منع هذين القسمين ولأجل ما يحصل فيهما من صورة التّفاضل وإجراءِ التّفاضل في الثّياب في بياعات الآجال مجرى العين. ومن منع ذلك حماية للذّريعة لئلاّ يكونا قصدا إلى التحيّل على سلف بزيادة، فإنّ هذه الثّياب إذا بيع بعضها ببعض متفاضلًا تصوّر فيها صورة الرّبا. وإذا كانت ثمنًا للسلعة ثمّ اشتريت تلك السلعة بثياب من جنسها، فإنّ التّفاضل بين الثّياب لم يكن متصوّرًا في عقد واحد، ولكن إنّما يتصوّر لوقوع عقد بعد عقد، وقد قدّمنا أنّ وقوع عقد بعد عقد يوجب كون العقد الثّاني مَطرَق التّهمة إلى العقد الأوّل، فمنع حماية للذّريعة. فالدّنانير والدّراهم لا يتصوّر فيها ضمان بجُعل لبعد التّهمة فيها، فاتّفق المذهب على جواز أن يشتري ثوبًا باعه بعشرة دراهم إلى أجل بعشرين درهمًا نقدًا.
فيتصوّر في الثّياب القصد إلى ضمان بجعل، فهل يحسن أن تحمى الذّريعة في هذا الوجه؟ هذا مِمّا اضطرب فيه المتأخّرون لأنه كحماية مبنيّة على ضمان بجعل لحماية ملحقة بالحماية الأولى. وقد اختلف المتأخّرون فيمن باع ثوبًا بقفيز قمح