بزيادة فيه فهذا يحرّم, لأنّ التّأخير للدّين بعد استحقاق قبضه كسلفه لمن هو عليه. والزّيادة في مقدارٍ عوضَ التّأخير هي زيادة عوض السلف، وقد علم تحريم سلف جرّ نفعًا. وإن فسخ ذلك في جنس آخر من دراهم أو عروض، فإنّ التّأخير لا يقع غالبًا إلاّ وقد زاده في مقدار ما يعطيه بعد الأجل الثّاني على قيمة ما يعطيه له لو عاوضه عن دينه من غير تأخّر. وهذه الزّيادة في القيمة لأجل التّأخير كسلف جرّ نفعًا. وينضاف إلى هذا -إذا فَسَخَ ذلك في دراهم- عَقد الصرف على التّأخير، وهو ممنوع منه.
وكذلك لو كان الدّين الّذي حلّ عروضًا فسخها في عروض أخرى إلى أجل، فإنّه يزيده في قيمة العروض الثّانية لأجل إنظاره له وتأخيره بدينه. ولو عاوضه عن دينه المؤجّل قبل أن يحلّ أجله بجنس آخر مؤجّل إلى مثل الأجل الأوّل، فإنّ هذا يمنع أيضًا لكونه فسخًا لدين في دين. وقد قال بعض أشياخي: ليس هذا التّحريم بمعلّل, لأنّا صوّرنا في فسخ الدّين الحال في جنس آخر مؤجّل إلى أنّه يزيده في مقدار الثّاني لأجل تأخيره الأوّل. وها هنا إذا كان الفسخ قبل حلول الأجل والعرض الثّاني إنّما يؤخذ عند الأجل الأوّل، فإنّه لم يستحقّ قبض شيء فيقدّر أنّه أخّره لأجل ما زاد في مقدار الثّاني.
ولكن عندي أنّ هذا، وإن لم يتصوّر فيه هذا المعنى، فإنّه يتصوّر فيه بيع دين بدين، وقد ورد الحديث بالنّهي عنه. لكن قد يعرض في فسخ دين في دين ما يُشْكِل من ناحية كونه كالدّين أو كالمنقود، مثل أن يحلّ له دين فيأخذ عنه سكنى دار معَيَّنة إلى أجل معلوم أو ركوب دابّة معيّنة، فإنّ هذا يصحّ أنّه إذا أخذ فيه سكنى أو ركوبًا مضمونًا في الذّمّة، أنّ ذلك لا يجوز لكون المضمون من سكنى أو ركوب لا شكّ في تسميته دينًا.
وإن أخذ فيه سكنى دار معيّنة أو ركوب دابّة معيّنة, فها هنا عرض الإشكال: هل ذلك كالدّين لمّا كان ضمانُ هذه المنافع من صاحب الدّار والدّابّة وهي لم تقبض منه جملة واحدة فتلحق بأحكام الدّيون الّتي لا يجوز فسخ دين فيها كما قاله ابن القاسم؟ أو تلحق بالمعيّنات المقبوضة لمّا أسندت هذه المنافع إلى دار معيّنة ودابّة معيّنة؟ وقد علم أنّه لو أخذ الدّار أو الدّابّة عن دينه