دراهم، فإن هذا تمنع فيه المقاصّة، وإن كنّا قدّمنا إجازة المقاصّة في العرضين المتماثلين، وذلك أنّه ها هنا اختلف رأس المال، فكان رأس مال أحد العرضين دنانير، ورأس مال العرض الآخر دراهم، فإذا تقاصّا، قدّرت المقاصّة مطرحة على حسب ما نبّهنا عليه في أوّل هذا الكتاب. وإذا قدّر ذلك في المقاصّة، حصل منهما أنّ أحدهما دفع دنانير وأخذ عنها بعد مدّة دراهم. وهذا صورة الصرف المستأخر وهو ممنوع. واستشهد من ذهب إلى هذا بما ذكرناه في كتاب السلم فيمن أسلم دنانير في عروض وأخذ رهنًا بالسلم مِمّا يضمن بالدّراهم، فإنّه اعتبرنا فيه هناك ما يجوز أن يؤخذ عن رأس المال أيضًا. فهكذا يعتبر ها هنا.
هذه أحكام المقاصّة مع اختلاف الأجناس والأسباب والآجال، وقد بيّناها. وذكر في كتاب الآجال في المدوّنة مسئلة من أخذ عن دنانير من له دين على رجل سلعةً بعينها حاضرة، ثمّ دخل صاحب السلعة إلى بيته قبل أن يقبضها من له الدّين، ثمّ خرج، أنّ هذه المفارقة لا توجب فسخ هذه المعاوضة لأجل الافتراق قبل القبض فيما عاوض به عن دين. وذكر في كتاب البيوع الفاسدة في هذا السؤال أنّ هذا يُمنع ويؤثّر في هذه المعاوضة. ولكنّه لم يذكر في كتاب البيوع الفاسدة أنّه أخذ عن الدّين سلعة بعينها حاضرة، ولكنّه قال: أخذ سلعة.
فأشار يبيح أنّ ذلك اختلاف قول. ومال قوم من الأشياخ إلى أنّه ليس باختلاف قول. واختلف اعتذارهم عن ذلك، فقال بعضهم: إن كانت السلعة حاضرة معيّنة، فقد صارت في ضمان مشتريها بالدّين الّذي له وإن لم يقبضها.
وإن لم تكن السلعة حاضرة ولا معيّنة، فإنّها باقية في ضمان من عليه الدّين، وبقاء الضّمان عليه يتصوّر فيه معنى فسخ الدّين في الدّين، لكون الدّين الأوّل مضمونًا في ذمّته، وكون هذا العرض الّذي أخذ مضمونًا أيضًا. وقدح بعضهم في هذا الاعتذار، وقال: لا يعتبر في مثل هذا الضّمانُ، وإنّما يعتبر تأخير القبض لأنه كالتّأخير (١) يشبه فسخ الدّين في الدّين، ألا ترى أنّ ابن القاسم يمنع أن يؤخذ من دين دار معيّنة غائبة، وإن كانت الديار إذا بيعت على الصفة وهي