الظّاهرة لحلّ الأكل والاستصباح، ولكن منع الجميع لعدم التّمييز الآن، أو لامتناعه على ظاهر الرّوايات. وإن كان قد روي عن مالك أنّه أجاز استعماله إذا طُهِّر. وبهذا كان يفتي ابن اللباد، ويستشهد بما وقع لابن القاسم (١) في ما سقطت فيه فأرة أنّ الدّهن الأوّل يستعمل بالماء مرّتين أو ثلاثة (١).
فإذا تحقّقت حكم الانتفاع في الأكل وفي الاستصباح، فإنّا إن منعنا الاستصباح به منعنا أكله. وذهابنا إلى أنّه لا يطهر بالماء اقتضى هذا منع بيعه لكون جملة منافعه المقصودة ممنوع استباحتها, ولا يرجى ذلك منها. وإن قلنا:
إنّ الاستصباح به مباح وهو على حالته، فإنّ البيع أيضًا لا يجوز لكون منفعة مقصودة فيه محرّمة وهي الأكل. وقد تقدّم بيان علّة المنع من هذا الوجه. وإن قلنا مع هذا: إنّ تطهيره بالماء يميّز منه أجزاءَ النجاسة حتّى يعود طاهرًا يجوز الانتفاع به أكلًا واستصباحًا، حسن أن يقال على هذا: إنّ بيعه جائز كما يجوز بيع الثّوب النّجس، وإن كان لا يصلّى به، لما أمكن زوال السبب المانع من الصّلاة به بإزالته نجاسته بالتّطهير. وقد يعترض على هذا بأنّ الخمر لا يجوز بيعها، وإن قلنا: إنّها إذا تخلّلت جاز شربها, لما أشرنا إليه من كون الخمر جميع أجزائها نجسة العين، فتكون المعاوضة عليها معاوضة عمّا جميعه نجس حرام، والمعاوضة على الزّيت النّجس معاوضة عمّا أكثر أجزائه حلال، ويمكن تمييز الأجزاء النّجسة منه من غير تغيير أعيان، بخلاف الخمر الّتي جميع أجزائها نجسة، والتّحليل إنّما يكون بالتّخليل وهو أيضًا لا يباح ابتداء، ولكنّه إن فعل، جاز شربها على أحد القولين.
وعلى هذا الأسلوب يجري الانتفاع بالماء الّذي غلبت عليه النجاسة، فإنّ
(١) هكذا في النسختين، وفيه اضطراب. وتوضحيه من كلام ابن غازي إذ يقول: أما زيت خلط بنجس ففي تطهيره بطبخه بماء، مرتين أو ثلاثًا، ثالثها: إن كثر، ورابعها: إن تنجس بما ماتت فيه دابة لا بموتها في الزيت. فالأول لسماع أصبغ من ابن القاسم وفتيا ابن اللباد ... مواهب الجليل: ١/ ١١٤. هكذا في النسختين ولعل صواب العبارة في بانٍ أُغلي "والبان شجر معروف. حبه أساس لأدوية كثيرة" "تاج العروس ج ٣٤ ص ٢٨٩"